والحاصل أن القدر المذكور في حديث ابن عمر؛ باطل مرفوعًا، وغايته أن يكون مما أخذه عن كعب، والله أعلم.
وأحسن ابنُ حجر حين قال -في (العجاب) ١: ٣٤٣ - :"في طرق هذه القصة القوي والضعيف، ولا سبيل إلى رد الجميع، فإنه ينادي على من أطلقه بقلة الإطلاع، والإقدام على رد ما لا يعلمه، لكن الأولى أن ينظر إلى ما اختلفت فيه بالزيادة والنقص، فيؤخذ بما اجتمعت عليه، ويؤخذ من المختلف ما قوي، ويطرح ما ضعف أو ما اضطرب، فإن الاضطراب إذا بعد به الجمع بين المختلف، ولم يترجح شيء منه؛ التحق بالضعيف المردود".
وهذه القصة جديرة بأن تحقق وتحرر، بأن تجمع مروياتها من المرفوع والموقوف والمقطوع، ثم ينظر في القدر التصحيح منه.
فائدة:
على القول بأن هاروت وماروت كانا ملكين، وقد جرى منهما ما جرى، فلا يشكل على هذا ما تقرر من عصمة الملائكة والجواب كما قال ابن كثير في تفسيره ١: ٣٥٢: "الجمع بين هذا وبين ما ورد من الدلائل على عصمة الملائكة، أن هذين سبق في علم الله لهما هذا، فيكون تخصيصًا لهما، فلا تعارض حينئذ، كما سبق في علمه من أمر إبليس ما سبق، وفي قول إنه كان من الملائكة، لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى﴾ [طه: ١١٦]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك، مع أن شأن هاروت وماروت -على ما ذكر-، أخف مما وقع من إبليس لعنه الله تعالى".
وانظر: (أحكام القرآن) لابن العربي ١: ٤٧.
*****