٣ - وقال -رحمه الله-: "الصحابة" بلغوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لفظ القرآن ومعانيه جميعا كما ثبت ذلك عنهم، مع أن هذا مما يعلم بالضرورة عن عادتهم، فإن الرجل لو صنف كتاب علم في طب أو حساب أو غير ذلك، وحفظه تلامذته؛ لكان يعلم بالاضطرار أن هممهم تشوق إلى فهم كلامه ومعرفة مراده.. وهل يتوهم عاقل أنهم كانوا إنما يأخذون منه مجرد حروفه وهم لا يفقهون ما يتلوه عليهم ولا ما يقرؤونه، ولا تشتاق نفوسهم إلى فهم هذا القول، ولا يسألونه عن ذلك، ولا يبتدىء هو بيانه لهم! هذا مما يعلم بطلانه أعظم مما يعلم بطلان كتمانهم ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، ومن زعم أنه لم يبين لهم معاني القرآن أو أنه بينها وكتموها عن التابعين فهو بمنزلة من زعم أنه بين لهم النص على عليٍّ وشيئا آخر من الشرائع والواجبات، وأنهم كتموا ذلك، أو أنه لم يبين لهم معنى الصلاة والزكاة والصيام والحج ونحو ذلك مما يزعم القرامطة أن له باطنا يخالف الظاهر.. فقولنا بتفسير الصحابة والتابعين لعلمنا بأنهم بلغوا عن الرسول ما لم يصل إلينا إلا بطريقهم، وأنهم علموا معنى ما أنزل الله على رسوله تلقيا عن الرسول، فيمتنع أن نكون نحن مصيبين في فهم القرآن وهم مخطئون، وهذا يعلم بطلانه ضرورة عادة وشرعا" (١).
٤ - وقال -رحمه الله-: ".. ومن المعلوم أن رغبة الرسول في تعريفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعريفهم حروفه، فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تحصل المقصود إذ اللفظ إنما يراد للمعنى" (٢).

(١) بغية المرتاد ص ٣٣٠ - ٣٣٢.
(٢) مجموع الفتاوى ٥: ١٥٧. تنبيه: قال السيوطي في (الإتقان) ٢: ٥٦٩: "وقد صرح ابن تيمية -فيما تقدم وغيره- بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين لأصحابه تفسير جميع القرآن أو غالبه". ولم أجد هذا عن ابن تيمية، وقد سبق للسيوطي نقل كلام ابن تيمية من مقدمته في أصول التفسير -وقد سبق نقله- فلعله ذكر هذا بناء على فهمه، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon