٥ - وقال ابن القيم -رحمه الله-: ".. فكما بلغ الرسول ألفاظ القرآن للأمة بلغهم معانيه، بل كانت عنايته بتبليغ معانيه أعظم من مجرد تبليغ ألفاظه، ولهذا وصل العلم بمعانيه إلى من لم يصل إليه حفظ ألفاظه، والنقل لتلك المعاني أشد تواترا وأقوى اضطرارا، فإن حفظ المعنى أيسر من حفظ اللفظ، وكثير من الناس يعرف صورة المعنى ويحفظها، ولا يحفظ اللفظ، والذين نقلوا الدين عنه علموا مراده قطعا لما تلا عليهم من تلك الألفاظ" (١).
٦ - وقال -رحمه الله-: ".. فهذه الأحاديث تقرر نصوص القرآن، وتكشف معانيها كشفا مفصلا، وتقرب المراد، وتدفع عنه الاحتمالات، وتفسر المجمل منه، وتبينه وتوضحه لتقوم حجة الله به، ويعلم أن الرسول بيَّن ما أنزل إليه من ربه، وأنه بلغ ألفاظه ومعانيه بلاغا مبينا حصل به العلم اليقيني، بلاغا أقام الحجة، وقطع المعذرة، وأوجب العلم، وبينه أحسن البيان وأوضحه" (٢).
فهذه النقول عنهما محمولة على أنه -صلى الله عليه وسلم- بين ما يحتاج إليه من كتاب الله عز وجل، لا كما فهمه بعض المتأخرين أنه فسَّر القرآن كله للصحابة من أوله إلى آخره؛ بآياته وجمله وألفاظه، وكيف يتصور ذلك والقرآن نزل بلسان عربي مبين على أرباب العربية والفصاحة! فكان الصحابة يفهمون القرآن بمجرد سماعه غضا طريا من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما بين مواضع الإشكال والإجمال مما يحتاج إلى بيانه.
والدليل على ذلك من كلام شيخ الإسلام نفسه أنه قال -في المقدمة نفسها-: "فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب: أن أصح الطرق في ذلك: أن يفسر القرآن بالقرآن.. فإن أعياك ذلك؛ فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن، وموضحة له.. وإذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة؛ رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة.. إذا لم تجد التفسير في

(١) الصواعق المرسلة ٢: ٦٣٦.
(٢) مختصر الصواعق المرسلة ص ٤٥٦، وانظر ما بعدها.


الصفحة التالية
Icon