وقال أيضا: "مِن تأويل القرآن ما لا يُدرك علمُه إلا ببيان الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وذلك تفصيلُ جُمَلِ ما في آيِه من أمر الله ونَهيه، وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع دينه، الذي هو مجُمَلٌ في ظاهر التنزيل، وبالعباد إلى تفسيره الحاجة؛ لا يُدرَك علمُ تأويله إلا ببيان من عند الله على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-" (١).
وقال الزركشي: "ينقسم القرآن العظيم إلى ما هو بيِّن بنفسه بلفظ لا يحتاج إلى بيان منه ولا من غيره، وهو كثير.. -وذكر أمثلة عليه- وإلى ما ليس ببين بنفسه، فيحتاج إلى بيان. وبيانه؛ إما فيه في آية أخرى، أو في السنة، لأنها موضوعة للبيان، قال تعالى: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤] " (٢).
ومما يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفسِّر القرآن كله؛ وجود الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم في معنى بعض ألفاظ القرآن، وإن كان أكثره يعود إلى اختلاف التنوع، ولو كان عندهم تفسير نبوي كامل لجميع ألفاظ القرآن لرجعوا إليه عند الاختلاف، واتفقوا عليه.
قال ابن تيمية -رحمه الله-: "الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد" (٣).
وقال أيضا: "وأما ما صح عن السلف أنهم اختلفوا فيه اختلاف تناقض فهذا قليل بالنسبة إلى ما لم يختلفوا فيه" (٤).

(١) تفسير الطبري ١: ٨٢.
(٢) البرهان ٢: ١٨٣ - ١٨٤.
(٣) مجموع الفتاوى ١٣: ٣٣٣.
(٤) المرجع السابق ٥: ١٦٢.


الصفحة التالية
Icon