وأخرج ابن مردويه من طريق جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعا: يؤت الحكمة قال: القرآن. قال ابن عباس: يعني تفسيره فإنه قد قرأه البر والفاجر. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء: يؤت الحكمة قال: قراءة القرآن والفكرة فيه، وأخرج ابن جرير مثله، عن مجاهد، وأبي العالية، وقتادة، وقال تعالى: ﴿وتلك الأمثال نضربها للناس ومايعقلها إلا العالمون﴾ (١) وأخرجة ابن أبي حاتم، عن عمرو بن مرة، قال: مامررت بآية في كتاب الله لاأعرفها إلا أحزنتني لأني سمعت الله يقول: ﴿وتلك الأمثال نضربها للناس ومايعقلها إلا العالمون﴾ وأخرج أبو عبيدة عن الحسن قال: ماأنزل الله آية إلا وهو يحب أن تعلم فيم أنزلت وماأراد بها، وأخرج أبو ذر الهروي في فضائل القرآن، من طريق سعيد بن جبر، عن ابن عباس قال: الذي يقرأ القرآن ولا يحسن تفسيره كالأعرابي يهذ الشعر هذًّا.
ثم ذكر رحمه الله آثارا في الحث على إعراب القرآن، ورجح أن المراد به تفسيره قال: لأن إطلاق الإعراب على الحكم النحوي، اصطلاح حادث ولأنه كان في سليقتهم لايحتاجون إلى تعلمه، ثم قال: وقد أجمع العلماء أن التفسير من فروض الكفايات، وأجل العلوم الثلاثة الشرعية، وقال الأصبهاني: أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن؛ بيان ذلك: أن شرف الصناعة إما بشرف موضوعها مثل: الصياغة فإنها أشرف من الدباغة، لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة: وهما أشرف من موضوع الدباغة الذي هو جلد الميتة، وإما بشرف غرضها، مثل: صناعة الطب، فإنها أشرف من صناعة الكناسة، لأن غرض الطب إفادة الصحة، وغرض الكناسة تنظيف المستراح، وإما بشدة الحاجة إليها كالفقه فإن الحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الطب، إذ ما من واقعة في الكون في أحد من الخلق إلا وهي مفتقرة إلى الفقه، لأن به انتظام صلاح أحوال الدنيا والدين بخلاف الطب، فإنه يحتاج إليه بعض الناس في بعض الأوقات. إذا عرف ذلك، فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثلاثة، أما من جهة الموضوع فلأن موضوعه كلام الله تعالى الذي هو ينبوع كل حكمة، ومعدن كل فضيلة، فيه نبأ ماقبلكم، وخبر مابعدكم، وحكم مابينكم، لايخلق على كثرة الرد، ولاتنقضي عجائبه، وأما من جهة الغرض
_________
(١) العنكبوت: ٤٣.


الصفحة التالية
Icon