إنما كانوا يبعثون الجزية إذا جاء وقتها إلى والي مصر من غير أن يأتيهم حاث أو مستحث، فكانوا أخصب قوم بالمغرب.
ووجه عمرو بن العاص عقبة بن نافع حتى بلغ زويلة، وصار مابين برقة وزويلة للمسلمين.
وكتب إلى عمر بن الخطاب يعلمه أنه قد ولى عقبة بن نافع الفهرى المغرب فبلغ زويلة، وأن من بين زويلة وبرقة سلم كلهم حسنة طاعتهم قد أدى مسلمهم الصدقة، وأقر معاهدهم بالجزية، وأنه قد وضع على أهل زويلة ومن بينه وبينها مارأى أنهم يطيقونه، وأمر عماله جميعا أن يأخذوا الصدقة من الأغنياء ويردوها في الفقراء ويأخذوا الجزية من الذمة فتحمل إليه بمصر وأن يؤخذ من أرض المسلمين العشر ونصف العشر ومن أهل الصلح صلحهم.
فتح طرابلس:
ثم غزا عمرو بن العاص طرابلس في سنة ثلاث وعشرين، فنزل على القبة التي على الشرف من شرقيها فحاصرها شهرا لايقدر على شيء، فخرج رجل من بني مدلج ذات يوم من عسكر عمرو متصيدا في سبعة نفر، فمضوا غربي المدينة حتى أمعنوا عن العسكر، ثم رجعوا فأصابهم الحر فأخذوا على ضفة البحر وكان البحر لاصقا بسور المدينة، ولم يكن فيما بين المدينة والبحر سور، وكانت سفن الروم شارعة في مرساها إلى بيوتهم فنظر المدلجي وأصحابه فإذا البحر قد غاض من ناحية المدينة ووجدوا مسلكا إليها من الموضع الذي غاض منه البحر فدخلوا منه حتى أتوا من ناحية الكنيسة فلم يكن للروم مفزع إلا سفنهم وأبصر عمرو وأصحابه السلة في جوف المدينة، فأقبل بجيشه حتى دخل عليهم فلم تفلت الروم إلا بما خف لهم من مراكبهم، وغنم عمرو ما كان في المدينة، وكان من بسبرت متحصنين واسمها نبارة، وسبرت السوق القديم وإنما نقله إلى نبارة عبدالرحمن بن حبيب سنة إحدى وثلاثين، فلما بلغهم محاصرة عمرو مدينة أطرابلس وأنهم لم يصنع فيهم شيئا ولا طاقة له بهم أمنوا فلما ظفر عمرو بن العاص بمدينة أطرابلس جرد خيلا كثيفة من ليلته، وأمرهم بسرعة السير، فصبحت خيله مدينة سبرت وقد غفلوا