البلاد أقاتل من كفر بك حتى لايعبد أحد دونك، ثم كر راجعا وفتح في طريقه بعض بلاد السودان، فلما اقترب من مدينة تهودة صرف أصحابه إلى منازلهم ثقة بما دوخ من البلاد، فعرض له كسيلة بن لمزم في جمع كثير من الروم والبربر وقد كان بلغه افتراق الناس عن عقبة وكان قد دار بين عقبة وكسيلة مواقف جعلت كسيلة يضمر حقدا شديدا على عقبة لأنه أذله في تلك المواقف ولم يسمع نصيحة أبي المهاجر في تألفه وإعزازه (١)،
فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل عقبة ومن كان معه، وقتل أبو المهاجر وهو موثق في الحديد، ثم سار كسيلة ومن معه حتى نزلوا الموضع الذي كان عقبة اختطه فأقام به وقهر من قرب من باب قابس ومايليه، وجعل يبعث أصحابه في كل وجه ويقال: بل خرج عقبة بن نافع إلي السوس واستخلف على القيروان عمر بن علي القرشي وزهير بن قبس البلوي وكانت إفريقية يومئذ تدعى مزاق، فتقدم عقبة إلي السوس وخالفه رجل من العجم في ثلاثين ألفا إلى عمر بن علي وزهير بن قيس وهما في ستة الاف، فهزمه الله وخرج ابن الكاهنة البربري على أثر عقبة كلما رحل عقبة من منهل دفنه ابن الكاهنة فلم يزل كذلك حتى انتهى عقبة إلى السوس، ولا يشعر بما صنع البربري، فلما انتهى عقبة إلى البحر أقحم فرسه فيه حتى بلغ نحره، ثم قال: اللهم إني أشهدك أن لامجاز ولو وجدت مجازا لجزت وانصرف راجعا والمياه قد غورت وتعاونت عليه البربر، فلم يزل يقاتل وأبو المهاجر معه في الحديد فلما استحر الأمر أمر عقبة بفتح الحديد عنه، فأبى أبو المهاجر فقال: ألقى الله في حديدي، فقتل عقبة وأبو المهاجر ومن معهما (٢).
وكان لهذه الحادثة أثر عميق في نفوس المسلمين.
وأما زهير بن قيس البلوي خليفة عقبة على القيروان فقد اضطر للسير نحو المشرق، فأقام ببرقة إلى أن جاءه المدد من عبدالملك بن مروان سنة ٦٩ هـ، فسار إلى القيروان واستنقذها من يد كسيلة الذي اضطربت صفوفه لأن المسلمين البربر قد تنازعوا
_________
(١) مقدمة دولة الأدارسة ص: ١٥.
(٢) انظر الرياض ١/ ٣٩، الاستقصا ١/ ٨٢، فتوح مصر ص: ١٣٤ - ١٣٥.


الصفحة التالية
Icon