في القتل كالخنق والطرح في النار أو البناء على المعاقب حتى يهلك جوعا وعطشا، وكان يمارس القتل شهوة وبطرا، ويعتبر عهده بداية النهاية للدولة الأغلبية خاصة بعدما أوقع ظلما بسبعمائة من رجال قلعة بلزمة، وكانوا أولي بأس شديد في الدفاع عن الدولة وبقتلهم انفتح الطريق أمام داعي الشيعة الإسماعيلية لدخول القيروان (١).
وثارت أطراف البلاد على ظلم إبراهيم (٢) في الوقت الذي بدأت تظهر فيه دعوة الشيعة الإسماعيلية بين قبائل البربر، فأعلن إبراهيم التوبة وتخلى عن الملك لابنه أبي العباس عبدالله (١٨٩ هـ - ٢٩٠ هـ) الذي لم يحكم إلا سنة واحدة إذ قتله بعض خدمه فتولى بعده ابنه زيادة الله الثالث (١٩٦ هـ - ٢٩٠ هـ) خاتمة أمراء الأغالبة، وقد استهل عهده بقتل جميع أعمامه حتى عمه الزاهد الساكن بقصر سوسة، كما استدعى أخاه أباعبد الله الأحول، الذي كان يقاتل أبا عبد الله الشيعي الذي بدأ يتقدم نحو عاصمة الأغالبة.
ولما رأى زيادة الله الخطر محدقا به لم يجد بدا من التودد إلى العامة والاستنصار بالعلماء، فعزل قاضيه المعتزلي الذي اضطهد أهل السنة وأبدله بحماس بن مروان الفقيه المالكي (٢٩١ هـ - ٢٩٣ هـ)، وكتب إلى الناس إني عزلت عنكم الجافي الجلف المبتدع المتعسف، ووليت القضاء حماس بن مروان لرأفته ورحمته وطهارته وعلمه بالكتاب والسنة، كما أرسل إلى العلماء وقال لهم: إن هذا الصنعاني الخارج علينا مع كتامة يلعن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ويزعم أن أصحاب النبي - ﷺ - ارتدوا بعده، ويسمى أصحابه المؤمنين ومن يخالفه في مذهبه الكافرين ويبيح دم من خالف رأيه، فأظهر الفقهاء لعنه والبراءة منه وحرضوا الناس على قتاله (٣) لعلمهم بما ينطوي عليه مذهبه من التعطيل والإباحية والعداوة للإسلام.
وقد بذل زيادة الله أموالا طائلة لتجهيز الجيوش التي أرسلها لمحاربة أبي عبد الله ثم عكف على شهواته، وفي حين كان الشيعي يحتل البلاد مدينة بعد
_________
(١) انظر أعمال الأعلام ٢٧، العبر ٤/ ٢٠٤، تاريخ المغرب العربي ٢/ ١١٣.
(٢) إتحاف أهل الزمان ١/ ١١٥.
(٣) البيان المغرب ١/ ١٣٦، ١٣٧.


الصفحة التالية
Icon