مدينة كان زيادة الله قد أقبل على اللذات واللهو ومعاشرة المضحكين، وأهمل أمور الملك (١) ولم ينتبه من غفلته إلا على نبأ سقوط مدينة الأربس وهي آخر معقل يحميه من الشيعة، فجمع ماخف من أمواله وهرب ليلا إلى مصر في خاصته، وترك أهل إفريقية نهبا للطمع الباطني وذلك في جمادى الآخرة سنة ٢٩٦ هـ.
أما عن الحياة العلمية فإنها شهدت في عهد الأغالبة ازدهارا كبيرا لطول عمر هذه الدولة وماشهدته من الاستقرار بالإضافة إلى أن مؤسسها قد طلب العلم في أول حياته، وسمع من الليث بن سعد وغيره (٢)، وكان حافظا للقرآن يلي الصلاة في الجامع الأعظم بنفسه (٣)، فكان يعرف حق العلم وأهله أما خلفه فلم يكن لهم مثل ثقافته واهتمامه إلا أنهم كانوا يفزعون إلى العلماء عند الحاجة ويعقدون في دواوينهم مجالس المناظرة والمذاكرة (٤)، كما كانوا يقومون بزيارة دور العباد والعلماء والكتاتيب المناسبات المختلفة (٥)، وكان الأمراء الأغالبة يميلون إلى مذهب الحنفية لما فيه من الرخص والتسهيل لهم بالإضافة إلى أنه كان المذهب الرسمي للدولة العباسية، وكان هذا مما أحدث نفرة شديدة بين علماء المالكية وبين الأمراء.
ولما حدثت في بغداد محنة القول بخلق القرآن دعا إليها بعض أمراء القيروان وكتبوا السجلات بذلك وقرئت على المنابر (٦) وامتحن بسببها كبار علماء القيروان مثل موسى بن معاوية الصمادحي، وأحمد بن يزيد، وهما من جلة محدثي القيروان، كما امتحن بسببها الإمام سحنون فاختفى ثم جيء به إلى ابن الأغلب فجمع له القواد والوزراء والقاضي ابن أبي الجواد (وهو حنفي أظهر الاعتزال ت ٢٣٤ هـ) وقال
_________
(١) العبر ٤/ ٢٠٥، وانظر البيان المغرب ١/ ١٤٣، الكامل ٦/ ١٢٣.
(٢) سير أعلام النبلاء ٩/ ١٢٩، وانظر: شهيرات ٣٨، ورقات ١/ ٨٣.
(٣) إتحاف أهل الزمان ١/ ١٠٤.
(٤) انظر الرياض ١/ ٢٧٦، ٢٨٧، ٢٨٨، ٤٨٩، طبقات أبي العرب ٨٨، طبقات الخشني٢٣٧.
(٥) انظر الرياض ١/ ٤١١.
(٦) انظر المحن ٤٥٤، الحلل ٣/ ٧٩٢، المدارك ٣/ ٢٢٢.