له: ماتقول في القرآن؟ فقال سحنون أصلح الله الأمير أما شيء أبدأ به من نفسي فلا، ولكن الذي سمعت ممن تعلمت منه وأخذت ديني عنه فهم كانوا يقولون: إن القرآن كلام الله وليس بمخلوق فقال ابن أبي الجواد: إنه قد كفر فاقتله ودمه في عنقي وقال مثل ذلك نصر بن حمزة القائد وغيره، فقال لداود بن حمزة: ماتقول ياداود؟ فقال: أصلح الله الأمير قتله بالسيف راحة له، ولكن اقتله قتل الحياة يؤخذ عليه الحملاء (أي الكفلاء) وينادى عليه بسماط القيروان أن لا يفتي ولايسمع أحداً ويلزم داره ففعل ذلك أبو جعفر وترك قول من أشار إليه بقتله وهكذا كانت محنة القول بخلق القرآن سببا في اختفاء كثير من علماء القيروان، ومنعهم من التدريس والإفتاء (١).
وكان أكثر أمراء الأغالبة يميلون إلى تعيين القضاة الحنفية، وهؤلاء غالبا ما ينكلون بالعلماء المدنيين مثل محمد بن عبدون الذي امتحن على يديه جماعة من الفقهاء المالكية وأهل السنة، وضربهم ونكل ببعضهم وأطلقهم وأغرى الأمير ببعضهم فقتل منهم (٢).
وفي المقابل كان علماء المالكية يرفضون كل عرض وظيفي من الأمراء متأسين في ذلك بما فعله الإمام مالك من البعد عن السلطان توقيراً للعلم ورفعاً لشأنه، ومن قبل منهم القضاء إنما قبله بعد أن أدير عليه مدة طويلة، وبعد أن اشترط شروطا استوثق معها قيامه بالعدل، كما فعل الإمام سحنون، وعيسى بن مسكين وغيرهما (٣).
وانتشرت المكتبات الخاصة ومنها مكتبة سحنون، وكانت تحتوي على كتب عظيمة منها: جميع كتب عبد الله بن وهب وهو راوية للتفسير عن الإمام مالك وكان عنده سماعات عن سفيان بن عيينة، وهو من أئمة التفسير (٤)، ومكتبة محمد ابن سحنون الذي بلغت مصنفاته مائتي كتاب في جميع العلوم ومنها علوم القرآن (٥).
كما أنه كان هناك بيت الحكمة القيرواني الذي كان يرأسه إبراهيم بن أحمد الشيباني ت ٢٩٨ هـ، وهو صاحب مسند في الحديث
_________
(١) المحن ٤٥٦.
(٢) المدارك ٣/ ٢٣٣.
(٣) انظر مثلا: المعالم ٢/ ٨٤، المدارك ٣/ ٢١٤.
(٤) انظر مناقب أبي إسحق الجبنياني ١١.
(٥) انظر الرياض ١/ ٤٤٣، الديباج ٢٣٤.