بخلق القرآن (١).
فلم يكن الازدهار العلمي في تلك الفترة إذن ناتجاً عن تشجيع من الأمراء الأغالبة إنما كان سببه حرص العلماء ومقدرتهم على الاستفادة من الظروف المتاحة لهم لنشر العلم، ونحن إذا استثنينا مسألة القول بخلق القرآن نجد أن حكومة القيروان لم تكن تتدخل في الناحية العلمية بدليل أن حلقات الإباضية والصفرية والمعتزلة كانت تعقد في جامع عقبة لمدة نصف قرن في العهد الأغلبي حتى جاء الإمام سحنون فشردهم (٢)، وفي عهد الأغالبة استقر المذهبان المالكي والحنفي، ونشطت الحياة المسجدية وكثر العلماء وتكثفت الرحلة إلى المشرق، وأقبل أهل إفريقية على التصنيف فصنف يحيى بن سلام (ت ٢٠٠ هـ) تفسيره وجامعه في الحديث، ورتب الإمام سحنون المدونة وذيل مسائلها بالأحاديث، وصنف محمد بن سحنون شرحا على الموطأ ومسندا في الحديث وغير ذلك، وصنف العلماء كثيرا من المصنفات في الرد على المعتزلة مثل كتاب الحجة على القدرية لمحمد بن سحنون وكتاب الاستواء لسعيد بن الحداد وغيرهما كما امتلأت الحصون والمحارس بالعلماء، والعباد المرابطين، فقد بنى الأغالبة أكثر من ثلاثين ألف معقل (٣).
وقد كان موقع القيروان وبلاد المغرب في منطقة واصلة بين بلاد المشرق وبين بلاد الأندلس وهذا أدى إلى الاستفادة من العلماء الذين انطلقوا بين المنطقتين لنشر العلم والدعوة إلي الله ويتضح ذلك جليا في مجال التفسير فيما يأتي من موضوعات هذا البحث، وبهذا تكاملت جوانب الحياة العلمية بإفريقية وأصبحت قادرة على مواجهة الخطر الباطني الذي حل بساحتها بعد ذلك كما سيأتي.
ثالثا: عصر الشيعة الإسماعيلية (٢٩٦ - ٣٦٢ هـ) (٤)، وقيام دولة الأدارسة الثانية في المغرب الأقصى:
_________
(١) الرياض ١/ ٤٢٦.
(٢) انظر: المؤنس ٥٠، ورقات ١/ ٧٣.
(٣) انظر: سير أعلام النبلاء ١٣/ ٤٨٨.
(٤) انظر: البيان المغرب ١/ ١٢٤ - ٢١٥٢١٠ - ٢٢٨، حسن البيان ٢٢٩ - ٢٣٣، المغرب الكبير ٢/ ٥٩٣ - ٦٣٧، تاريخ عجائب الآثار ١/ ٢٦، الكامل في التاريخ ٦/ ١٢٧ - ١٣٥، ٦/ ١٥١، ١٦٠، ١٩٠، ٢٣٨، ٣٠٥، ٣١١، المؤنس ٥٤ - ٦٥، الشجرة ٢/ ١٢٢ - ١٢٣، معالم تاريخ المغرب ١١٩ - ١٣٦، القيروان ٨٣ - ٩٧، تاريخ المغرب العربي ٢/ ٥٣٥، ٥٧٧، أعلام ابن عاشور ٣٩ - ٤٤، الاستقصا ١/ ٦٠، الرياض ٢/ ٤١ - ٤٥، ٢/ ٥٩ - ٨٧، ٢٩٢، ٢٩٧ - ٢٩٩، ٣٣٨ - ٣٣٩، الفرق الإسلامية ٢٠٠ - ٢٠١، الصراع المذهبي ١٦٧ - ١٩٣، ٢٠٣ - ٢١١، أعمال الأعلام ٤٦ - ٦٥، الحلة السيراء ١/ ١٩٠ - ١٩٦، ٢/ ٣٨٧ - ٣٩٣، الخلاصة النقية ٣٥ - ٤٢، النجوم الزاهرة ٣/ ١٦٨ - ١٧٧، الإباضية بالجريد ١٢٠، ١٢٣ - ١٢٥، المدارك ١/ ٣١٨ - ٣٢١، طبقات الخشني ٢١٥، ٢٢٥ - ٢٢٦، رسالة افتتاح الدعوة ٦٢ - ٢٧٤، الفكر السامي ٢/ ١٤٨، رحلة التجاني ٢٦٦، العبر ٤/ ٢٨ - ٤٩، البداية والنهاية ١١/ ١٧٩. ٣٤٥، مقدمة ابن خلدون ٢١ - ٢٣، اتعاظ الحنفاء ٥٥ - ١٠١، المغرب العربي ١٦٦ - ١٧٤، مرحلة التشيع في المغرب العربي ١٧ - ٥٨.


الصفحة التالية
Icon