المستفيض الشائع في التخاطب: أن يقول إنسان لآخر: هلّم أمل عليك كتابا، والكتاب لم يوجد بعد.
﴿لا رَيْبَ﴾: كائن ﴿فِيهِ﴾، فقوله: (١) ﴿رَيْبَ﴾: اسم لا، و ﴿فِيهِ﴾: خبرها، وهو في الأصل: من رابني الشيء، إذا حصل فيك الريبة، وهي قلق النفس واضطرابها، سمّي به الشكّ؛ لأنّه يقلق النفس، ويزيل الطمأنينة، قال الشاعر:

ليس في الحقّ يا أميّة ريب إنّما الرّيب ما يقول الكذوب
وفي الحديث: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». فإنّ الشكّ ريبة، والصدق طمأنينة. ومنه: ريب الزمان لنوائبه. وفي «التيسير»: الريب: شكّ فيه خوف، وهو أخصّ من الشكّ، فكلّ ريب شكّ، وليس كلّ شكّ ريبا. والشكّ: هو التردّد بين النقيضين، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاكّ. ولم يقدم الظرف على الريب؛ لئلّا يذهب الفهم إلى أنّ هناك كتابا آخر فيه الريب لا فيه.
فإن قلت: الكفّار شكّوا فيه فلم يقرّوا بكتاب الله تعالى، والمبتدعون من أهل القبلة شكّوا في معاني متشابهه، فأوّلوها وضلّوا بها، والعلماء شكّوا في وجوهه، فلم يقطعوا القول على وجه منها، والعوامّ شكّوا فيه فلم يفهموا معانيه، فما معنى نفي الريب عنه؟.
فالجواب: إنّ هذا إنما هو نفي الريب عن الكتاب لا عن الناس، والكتاب موصوف بأنّه لا يتمكّن فيه ريب، فهو حقّ صدق معلوم ومفهوم شكّ فيه الناس، أو لم يشكّوا، كالصدق صدق في نفسه وإن وصفه الناس بالكذب، والكذب كذب وإن وصفه الناس بالصدق، فكذا الكتاب ليس مما يلحقه ريب، أو يتمكن فيه عيب، ويجوز أن يكون خبرا في معنى الأمر، ومعناه: لا ترتابوا، كقوله تعالى: ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ﴾ المعنى: لا ترفثوا، ولا تفسقوا، ولا تجادلوا، كما في «الوسيط» و «العيون».
(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon