بالقوة القدسية، وهداية الكتاب المبين شاملة لأرباب هذه المراتب أجمعين، فهداية العامّ بالإسلام، وهداية الخاص بالإيقان والإحسان، وهداية الأخصّ بكشف الحجب ومشاهدة العيان.
وفي «التأويلات النجمية»: المتقون هم الذين أوفوا بعهد الله من بعد ميثاقه، ووصلوا به ما أمر الله أن يوصل به من مأمورات الشرع ظاهرا وباطنا، يدلّ على هذا قوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾.
والعقاب الذي يتّقى منه ضربان (١): دنيوي وأخروي، وكلّ منهما يتّقى باتقاء أسبابه، فعقاب الدنيا يستعان على اتقائه بالعلم بسنن الله في الخليقة، وعدم مخالفة النظم التي وضعها في الكون، فاتقاء الفشل والخذلان في القتال مثلا، يتوقّف على معرفة نظم الحرب، وفنونها، وآلاتها، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ﴾، كما يتوقّف على القوة المعنوية: من اجتماع الكلمة، واتحاد الأمة، والصبر والثبات، والتوكل على الله، واحتساب الأجر عنده، وعقاب الآخرة يتقى: بالإيمان الخالص، والتوحيد، والعمل الصالح، واجتناب ما يضادّ ذلك من الشرك، واجتناب المعاصي والآثام التي تضرّ المرء، أو تضرّ المجتمع.
والمتقون في هذه الآية: هم الذين سمت نفوسهم، فأصابت ضربا من الهداية، واستعدادا لتلقي نور الحقّ، والسعي في مرضاة الله بقدر ما يصل إليه إدراكهم، ويبلغ إليه اجتهادهم. وقد كان من هؤلاء ناس في الجاهلية كرهوا عبادة الأصنام، وأدركوا أنّ خالق الكون لا يرضى بعبادتها، كذلك كان من أهل الكتاب ناس يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين.
ومن المعلوم: أنّ في قوله: ﴿هُدىً﴾ مجازا عقليًّا؛ لما فيه من إسناد الشيء إلى سببه؛ أي: هو هاد، أو مجازا بالحذف؛ أي: ذو هدى، أو مبالغة