فيه حتى جعل نفس الهدى على حدّ: زيد عدل.
والمعنى؛ أي: هذا الكتاب هاد ومرشد للمؤمنين المتصفين بالتقوى من سخط الله تعالى، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
٣ - ثم وصف المتقين بقوله: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾؛ أي يصدّقون ويوقنون ﴿بِالْغَيْبِ﴾ أي: بالشيء الغائب عنهم مما لم تدركه عقولهم، ولم تعرفه حواسّهم مما أخبرهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو القرآن من اليوم الآخر وأحواله من البعث، والحشر، والحساب، والميزان، والصراط، والجنة والنار، وغير ذلك من أهواله.
والإيمان: تصديق جازم يقترن بإذعان النفس واستسلامها، وأمارته: العمل بما يقتضيه الإيمان، وهو يختلف باختلاف مراتب المؤمنين في اليقين. والغيب: ما غاب عنهم علمه، كذات الله سبحانه، وملائكته، ، والدار الآخرة وما فيها من البعث، والنشور، والحساب، والمجازاة. والإيمان بالغيب: هو اعتقاد وجود موجود وراء المحسّسات، متى أرشد إليه الدليل، أو الوجدان السليم. ومن يعتقد بهذا يسهل عليه التصديق بوجود خالق للسموات والأرض، منزه عن المادّة وتوابعها، وإذا وصف له الرسول العوالم التي استأثر الله وانفرد بعلمها، كعالم الملائكة، أو وصف له اليوم الآخر، لم يصعب عليه التصديق به بعد أن يستيقن صدق النبي الذي جاء به، أمّا من لا يعرف إلّا ما يدركه الحسّ، فإنه يصعب إقناعه، وقلّما تجد الدعوة إلى الحق من نفسه سبيلا.
وقوله: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ إمّا (١) موصول بالمتقين، ومحلّه الجرّ على أنّه صفة مقيّدة له، إن فسّرت التقوى بترك المعاصي فقط، مرتّبة عليه ترتيب التحلية على التخلية، أو موضحة إن فسرت التقوى بما هو المتعارف شرعا، والمتبادر عرفا من فعل الطاعات، وترك المعصيات معا؛ لأنّها حينئذ تكون تفصيلا لما انطوى عليه اسم الموصول إجمالا، وصفة مادحة للموصوفين بالتقوى المفسّرة بما مرّ من فعل الطاعات، وترك السيئات. وتخصيص ما ذكر من