أي: والذين يصدّقون ﴿بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ يا محمد، وهو القرآن الذي يتلى، والوحي الذي لا يتلى. وهو ما بيّنه النبي صلّى الله عليه وسلّم من أعداد الركعات، ونصب الزكوات، وحدود الجنايات. قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾، وقال أيضا: ﴿وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى﴾. والتعبير عن إنزاله بالماضي مع كون بعضه مترقبا حينئذ؛ لتغليب المحقّق على المقدّر، أو لتنزيل ما في شرف الوقوع لتحقّقه منزلة الواقع، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّا سَمِعْنا كِتابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى﴾ مع أنّ الجنّ ما كانوا سمعوا الكتاب جميعا، ولا كان الجميع إذ ذاك نازلا. وفي «الكواشي»: لأنّ القرآن شيء واحد في الحكم، ولأنّ المؤمن ببعضه مؤمن بكلّه. انتهى. والإنزال هنا (١): بمعنى الوحي، وسمّي إنزالا، وهو نقل الشيء من العلو إلى السفل، ولا يكون إلّا في الأجسام؛ لما في جانب الألوهية من علوّ الخالق على المخلوق، أو لإنزال جبريل له على النبي صلّى الله عليه وسلّم لتبليغه للخلق، كما قال في آية أخرى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾؛ يعني: أنّ الإنزال نقل الشيء من أعلى إلى أسفل، وهو إنّما يلحق المعاني بواسطة لحوقه الذوات الحاملة لها، فنزول ما عدا الصحف من الكتب الإلهيّة إلى الرسل عليهم السلام والله أعلم: بأن يتلقّاها الملك من جنابه تعالى تلقّيا روحانيا، أو يحفظها من اللوح المحفوظ، فينزل بها إلى الرسل، فيلقيها عليهم.
﴿وَ﴾ يؤمنون بـ ﴿ما أُنْزِلَ﴾ من الكتب السالفة من التوراة، والإنجيل، والزبور، وغيرها على الرسل الذين أرسلوا ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾ إيمانًا إجماليًّا لا تفصيليًّا، والإيمان بالكل جملة فرض عين، وبالقرآن تفصيلا من حيث إنّا متعبّدون بتفاصيله فرض كفاية، فإنّ في وجوبه على الكلّ عينا حرجا بيّنا، وإخلالا بأمر المعاش.
قال في «التيسير»: (٢) الإيمان بكلّ الكتب مع تنافي أحكامها على وجهين:
(٢) روح البيان.