أحدهما: التصديق أنّ كلّها من عند الله تعالى.
والثاني: الإيمان بما لم ينسخ من أحكامها.
﴿وَبِالْآخِرَةِ﴾ تأنيث الآخر الذي هو نقيض الأول، وهو في المعدودات اسم للفرد اللاحق، وهي صفة الدار بدليل قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ﴾، وهي من الصفات الغالبة، وكذا الدنيا، وسمّيت الدنيا دنيا لدنوها؛ أي: قربها من الآخرة، أو لدناءتها وخسّتها، وسمّيت الآخرة آخرة؛ لتأخّرها، وكونها بعد الدنيا. ﴿هُمْ يُوقِنُونَ﴾؛ أي: يعتقدون اعتقادا جازما، وتقديم الجار والمجرور على الفعل؛ لرعاية الفاصلة، أو لإفادة الحصر، وأتى بالجملة الاسمية للاهتمام به؛ لأنّه أعلى من الإنفاق. والإيقان: إتقان العلم بالشيء بنفي الشكّ، والشبهة عنه نظرا واستدلالا، ولذلك لا يسمّى علمه تعالى يقينا، وكذا العلوم الضرورية. وفيه ردّ على من أنكر الآخرة ممن لا يؤمن بمحمد صلّى الله عليه وسلّم.
وقرأ الجمهور ﴿بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ مبنيا للمفعول. وقرأهما النخعيّ، وأبو حيوة، ويزيد بن قطيب مبنيا للفاعل، وقرىء شاذّا ﴿بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ بتشديد اللام، ووجه ذلك: أنه أسكن لام ﴿أُنْزِلَ﴾ ثم حذف همزة (إلى)، ونقل كسرتها إلى لام «أنزل»، فالتقى المثلان من كلمتين، فأدغم، والإدغام جائز. وقرأ الجمهور ﴿يُوقِنُونَ﴾ بواو ساكنة بعد الياء، وهي مبدلة من ياء؛ لأنّه من أيقن. وقرأ أبو حية النّمريّ بهمزة ساكنة بدل الواو.
ومعنى الآية: أي (١) والذين يصدقون بما أنزل إليك من القرآن والوحي، أنه من عند الله تعالى، ويصدقون بما أنزل على الرسل من قبلك من سائر الكتب السماوية، أنها من عند الله سبحانه وتعالى، لا يفرقون بين كتب الله ولا بين رسله. وقال ابن عباس: أي: يصدقون بما جئت به من الله تعالى، وبما جاء به من قبلك من الرسل، لا يفرقون بينهم ولا يجحدون بما جاءؤوا به من ربهم،
وبمجيء الدار الآخرة التي تتلو الدنيا مع ما فيها من البعث، والحشر والحساب،