﴿أُولئِكَ﴾. والمفلح بالحاء والجيم: هو الفائز بالبغية بعد سعي في الحصول عليها، واجتهاد في إدراكها، كأنه انفتحت له وجوه الظفر، ولم تستغلق عليه من الفلح، وهو الشقّ والقطع، ومنه سمّي الزارع فلاحا؛ لأنّه يشقّ الأرض. وهذا التركيب وما يشاركه في الفاء والعين، نحو: فلق، وفلذ، وفلى يدلّ على الشق والفتح. والمشار إليه بأولئك في الموضعين واحد، وهم المؤمنون من غير أهل الكتاب، والمؤمنون منهم.
تنبيه (١): تأمّل كيف نبّه سبحانه وتعالى على اختصاص المتقين بنيل ما لا يناله أحد من وجوه شتّى: بناء الكلام على اسم الإشارة؛ للتعليل مع الإيجاز، وتكريره، وتعريف الخبر، وتوسيط الفصل لإظهار قدرهم، والترغيب في اقتفاء أثرهم. وقد تشبثت الوعيدية بهذه الآية في خلود الفساق من أهل القبلة في العذاب، وردّ بأن المراد بالمفلحون: الكاملون في فلاحهم، ويلزمه عدم كمال الفلاح لمن ليس على صفتهم، لا عدم الفلاح لهم رأسا، كما في «تفسير البيضاوي».
وحاصل الفلاح يرجع إلى ثلاثة أشياء (٢): أحدها: الظفر على النفس فلم يتابعوا هواها، والدنيا فلم يطغوا بزخارفها، والشيطان فلم يفتنوا بوساوسه، وقرناء السوء فلم يبتلوا بمكروهاتهم.
والمعنى: أولئك الموصوفون بالصفات المذكورة، كائنون على هدى ورشاد كائن من ربّهم، ومعبودهم، ومالكهم، وأولئك المذكورون هم المفلحون؛ أي: الفائزون في الدنيا وفي الآخرة بالجنّة، والناجون من النار، والمقطوع لهم بالخير في الدنيا والآخرة. وقال ابن كثير: ﴿وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾؛ أي (٣): المنجحون المدركون ما طلبوا عند الله بأعمالهم، وإيمانهم بالله، وكتبه، ورسله من الفوز

(١) البيضاوي.
(٢) روح البيان.
(٣) ابن كثير.


الصفحة التالية
Icon