ولمّا ذكر سبحانه، استحقاقه الذاتي بجميع المحامد بمقابلة الحمد باسم الذات، أردفه بأسماء الصفات، فقال: ﴿رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ جمعا بين الاستحقاقين، وهو؛ أي: رب العالمين، كالبرهان على استحقاقه جميع المحامد الذاتي، والصفاتي، والدنيوي، والأخروي؛ أي: مالك جميع من في السموات، والأرض، وغيرهما من ملك، وإنس، وجنّ، وغيرهم، ومعبودهم. والربّ يأتي لعدّة معان، مجموعة (١) في قول بعضهم نظما من بحر الطويل:

قريب محيط مالك ومدبّر مربّ كثير الخير والمولي للنعم
وخالقنا المعبود جابر كسرنا ومصلحنا والصاحب الثابت القدم
وجامعنا والسيّد احفظ فهذه معان أتت للرّب فادع لمن نظم
قال البيضاوي: الربّ في الأصل: مصدر بمعنى التربية، والإصلاح، وهو تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا، ثمّ وصف به للمبالغة، كالصوم، والعدل.
وقيل: هو وصف من ربّه يربّه، فهو ربّ، كقولهم: نمّ ينمّ نمّا ونميمة، فهو نمّ.
سمّي به المالك؛ لأنّه يحفظ ما يملكه، ويربّيه، ويصلحه. وقيل: هو اسم فاعل حذفت ألفه، فأصله: رابّ، كما قالوا: رجل بارّ، وبرّ.
وعبارة المراغي: والربّ (٢): هو السيّد المربّي الذي يسوس من يربيه، ويدبر شؤونه، وتربية الله للناس نوعان: تربية خلقية تكون بتنمية أجسامهم حتى تبلغ الأشدّ، وتنمية قواهم النفسية، والعقلية، وتربية دينية تهذيبية، تكون بما يوحيه إلى أفراد منهم؛ ليبلّغوا للناس ما به تكمل عقولهم، وتصفو نفوسهم، وليس لغيره تعالى أن يشرع للناس عبادة، ولا أن يحل شيئا، ويحرّم آخر إلّا بإذن منه.
ويطلق الرّب: على الناس، فيقال: ربّ الدار، وربّ هذه الأنعام، كما قال
(١) البيجوري على السلم.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon