إليه ينسب كل ما لا يعرف له سببا، وبأن له حياة وراء هذه الحياة المحدودة، وهو بعقله لا يدرك ما يجب لصاحب هذا السلطان، ولا يصل فكره إلى ما فيه سعادته في هذه الحياة، فاحتاج إلى هداية الدين التي تفضّل الله بها عليه ووهبه إيّاها.
وإلى تلك الهدايات أشار الكتاب الكريم في آيات كثيرات، كقوله: ﴿وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ﴾ أي: طريق الخير والشرّ، والسعادة والشقاء، وقوله: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى﴾؛ أي: أرشدناهم إلى طريق الخير والشرّ، فاختاروا الثاني الذي عبّر عنه بالعمى. وهناك نوع آخر من الهداية.
وهي المعونة والتوفيق للسير في طريق الخير، وهي التي أمرنا الله بطلبها في قوله: ﴿اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، إذ المراد: دلّنا دلالة تصحبها من لدنك معونة غيبيّة تحفظنا بها من الوقوع في الخطاء والضلال، وهذه الهداية خاصّة به سبحانه لم يمنحها أحدا من خلقه، ومن ثم نفاها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ﴾، وقوله: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ﴾، وأثبتها لنفسه في قوله: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ﴾.
أمّا الهداية بمعنى الدلالة على الخير والحقّ مع بيان ما يعقب ذلك من السعادة، والفوز، والفلاح، فهي مما تفضّل الله بها على خلقه، ومنحهموها، ومن ثمّ أثبتها للنبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
هذا والصراط المستقيم: هو جملة ما يوصل إلى السعادة في الدنيا، والآخرة من عقائد، وأحكام، وآداب، وتشريع دينّي، كالعلم الصحيح بالله والنبوة، وأحوال الكون، وأحوال الاجتماع. وقد سمّى هذا صراطا مستقيما؛ تشبيها له بالطريق الحسي، إذ كل منهما موصل إلى غاية، فهذا سير معنويّ يوصل إلى غاية يقصدها الإنسان، وذاك سير حسيّ يصل به إلى غاية أخرى.
وقد أرشدنا الله سبحانه إلى طلب الهداية منه؛ ليكون عونا لنا بنصرنا على أهوائنا وشهواتنا، بعد أن نبذل ما نستطيع من الجهد في معرفة أحكام الشريعة، ونكلّف أنفسنا الجري على سننها؛ لنحصل على خير الدنيا والآخرة.


الصفحة التالية
Icon