فيها أبعد، والتأكيد في لا، أقرب. وقرأ أيوب السختياني ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ بإبدال الألف همزة؛ فرارا من التقاء الساكنين. وحكى أبو زيد: دأبّة وشأبّة في دابّة وشابّة في كتاب الهمز، ومع ذلك فلا ينقاس هذا الإبدال؛ لأنّه لم يكثر كثرة توجب القياس، نصّ على أنّه لا ينقاس النحويّون.
قال القرطبي: الضلال في لسان العرب: هو الذهاب عن سنن القصد وطريق الحقّ، ومنه ضلّ اللبن في الماء؛ أي: غاب. ومنه: ﴿أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: غبنا بالموت وصرنا ترابا. ويقال: ضللت الشيء: جهلت المكان الذي وضعته فيه، وأضللت الشيء: ضيعته، وأضل أعمالهم وضلّ: غفل ونسي، ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما﴾، والضلال: سلوك سبيل غير القصد. ضل عن الطريق: سلك غير جادتها، والضلال: الحيرة والتردّد. ومنه: قيل لحجر أملس يردده الماء في الوادي: ضلضلة.
وفي «الخطيب»: وفي قوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ مدّان: مدّ لازم، ومدّ عارض، فاللازم: هو الذي على الألف بعد الضاد وقبل اللام المشدّدة، والعارض: هو الذي على الياء قبل النون. اه. والأصل في الضالّين: الضاللين، ثمّ أدغمت اللام في اللام، فاجتمع ساكنان مدّت الألف واللام المدغمة.
والحاصل من معنى الآيتين، كما قاله المراغي: أنّ الله سبحانه وتعالى أمرنا (١) باتباع صراط من تقدّمنا؛ لأنّ دين الله واحد في جميع الأزمان، فهو إيمان بالله ورسله، واليوم الآخر، وتخلّق بفاضل الأخلاق، وعمل الخير، وترك الشرّ، وما عدا ذلك فهو فروع وأحكام تختلف باختلاف الزمان والمكان، يرشد إلى ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾.
والْمَغْضُوبِ قيل: هم الذين بلغهم الدين الحقّ الذي شرعه الله تعالى لعباده، فرفضوه ونبذوه وراءهم ظهريّا، وانصرفوا عن النظر في الأدلّة؛ تقليدا لما ورثوه عن الآباء والأجداد، وهؤلاء عاقبتهم النكال والوبال في نار جهنم وبئس القرار.

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon