فكيف وصف نفسه سبحانه بملك ما لم يوجد؟ قيل له: اعلم أنّ مالكا: اسم فاعل من ملك يملك، واسم الفاعل في كلام العرب قد يضاف إلى ما بعده، وهو بمعنى الفعل المستقبل، ويكون ذلك عندهم كلاما سديدا معقولا صحيحا، كقولك: هذا ضارب زيد غدا؛ أي: سيضرب زيدا، وهكذا حاجّ بيت الله في العام المستقبل تأويله: سيحج في العام المستقبل، أفلا ترى أنّ الفعل قد ينسب إليه وهو لم يفعل بعد؛ وإنّما أريد به الاستقبال، فكذلك قوله عزّ وجل: ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ على تأويل الاستقبال؛ أي: سيملك يوم الدين، أو في يوم الدين إذا حضر.
﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ أصله: نستعون بوزن نستخرج، فهو سداسيّ أجوف واويّ؛ لأنّه من العون، ففيه إعلال بالنقل والقلب، فاستثقلت الكسرة على الواو، فنقلت إلى الساكن قبلها على حدّ قول ابن مالك في «الخلاصة» في باب التصريف:

لساكن صحّ انقل التحريك من ذي لين آت عين فعل كأبن
فسكنت الواو بعد النقل، وانكسر ما قبلها فقلبت ياء، وهذه قاعدة مطردة عند الصرفيّين، نحو: ميزان وميقات، وهما من الوزن والوقت. اه. «سمين» مع زيادة. وفي «المصباح»: استعان به فأعانه، وقد يتعدى بنفسه، فيقال: أعانه، والاسم: المعونة والمعانة بالفتح. اه. والاستعانة: طلب العون، والطلب أحد معاني استفعل، وهي ثلاثة عشر، فمنها: هذا، والاتخاذ، والتحوّل، وإلقاء الشيء بمعنى: ما صيغ منه وعدّه كذلك، ومطاوعة أفعل وموافقته، وموافقة تفعّل، وافتعل، والفعل المجرد، والاغناء عنه وعن فعّل، وموافقة تفاعل. مثل ذلك: استطعم، واستعبده، واستنسر، واستعظمه، واستحسنه، وإن لم يكن كذلك، واستشلى مطاوع أشلّ، واستنبل موافق ومطاوع أبل، واستكبر موافق تكبّر، واستعصم موافق اعتصم، واستغنى موافق غني، واستنكف، واستحيا مغنيان عن المجرّد، واسترجع، واستعان حلق عانته مغنيا عن فعل، فاستعان طلب العون، كاستغفر، واستعظم، واستمسك بالشيء، وتماسك به، ومسك به بمعنى واحد أي: احتبست به. اه. من «البحر المحيط». وقد بسطنا الكلام على


الصفحة التالية
Icon