أصحابه وهم ثلاث مئة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلّم القبلة، ثم مد يديه - وعليه رداؤه وإزاره - قال: «اللهم أين ما وعدتني، اللهم أنجزني ما وعدتني، اللهم إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلن تعبد في الأرض أبدا» قال: فما زال يستغيث ربه عز وجل ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ رداءه، فرداه ثم التزمه من ورائه، ثم قال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك؛ فإنّه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله سبحانه وتعالى ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩)﴾. الحديث أخرجه مسلم والترمذي وقال حسن صحيح غريب.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿يَسْئَلُونَكَ﴾؛ أي: يسألك يا محمد أصحابك - منهم سعد بن أبي وقاص - سؤال استفتاء أو سؤال طلب ﴿عَنِ الْأَنْفالِ﴾؛ أي: عن الغنائم يوم بدر لمن هي؟ أللشبان أم للشيوخ أو للمهاجرين هي؟ أم للأنصار أم لهم جميعا؟ وسميت الغنائم أنفالا لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم التي لم تحل لهم الغنائم؛ ولأنّها عطية من الله تعالى زائدة على الثواب الأخروي للجهاد، وقرأ سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعلي بن الحسين وغيرهم ي ﴿سئلونك الأنفال﴾ بدون ﴿عَنِ﴾ ﴿قُلِ﴾ لهم يا محمد ﴿الْأَنْفالِ﴾ والغنائم يوم بدر ﴿لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾؛ أي: الحكم فيها لله سبحانه وتعالى، يحكم فيها بحكمه، وللرسول صلى الله عليه وسلّم، يقسمها بحسب حكم الله تعالى من غير أن يدخل فيه رأي أحد، وقد قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالسواء، وقد (١) بين الله سبحانه وتعالى بهذه الجملة أنّ أمرها مفوض إلى الله ورسوله، ثم بين مصارفها، وكيفية قسمتها، في آية الخمس: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ الآية. وللإمام أن ينفل من شاء من الجيش ما شاء قبل التخميس، وقد روي عن سعد بن وقاص أنّه قال: قتل أخي عمير يوم بدر، فقتلت به سعيد بن العاص، وأخذت سيفه فأعجبني، فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، فقلت: إن الله شفى