صدري من المشركين، فهب لي هذا السيف، فقال لي عليه الصلاة والسلام: «ليس هذا لي ولا لك، اطرحه في القبض» فطرحته وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا قليلا حتى نزلت سورة الأنفال، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا سعد، سألتني السيف وليس لي، وقد صار لي فخذه». والحديث سبق في أسباب النزول.
وكان سبب نزول الآية (١): اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في يوم بدر كما سبق بيانه، فنزع الله ما غنموه من أيديهم وجعله لله والرسول فقال: ﴿قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾؛ أي: حكمها مختص بهما، يقسمها بينكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم على حسب ما أمره الله سبحانه به، وليس لكم حكم في ذلك.
وقد ذهب (٢) جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الأنفال كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلّم خاصة، ليس لأحد فيها شيء، حتى نزل قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ...﴾ الآية. ثم أمرهم بالتقوى، وإصلاح ذات البين، وطاعة الله والرسول بالتسليم لأمرهما، وترك الاختلاف الذي وقع بينهم، فقال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى أيها المؤمنون في أخذ الغنائم، واتركوا المنازعة فيها؛ أي: فاجتنبوا ما كنتم فيه من المشاجرة والتنازع والاختلاف الموجب لسخط الله، لما فيه من المضار، ولا سيما في حال الحرب. ﴿وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾؛ أي: وأصلحوا الحال والشأن والمواصلة بينكم، بترك النزاع وتفويض أمر الغنائم إلى الله ورسوله؛ أي: وأصلحوا ما بينكم من الأحوال والشؤون، حتى تكون أحوال ألفة ومودة ومحبة واتفاق، وعبارة «البيضاوي» هنا؛ أي: وأصلحوا الحال التي بينكم بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله تعالى، وتسليم أمره إلى الله والرسول. انتهت. وعبارة «الصاوي» هنا قوله: ﴿وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾؛ أي: الحالة التي بينكم، وهي الوصلة الإسلامية، فالمعنى: اتركوا النزاع والشحناء، والزموا المودة والمحبة بينكم، ليحصل النصر والخير لكم، انتهت. وهذا

(١) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon