وإصلاح ذات البين، وطاعة الله تعالى ورسوله، فقال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: إنّما المؤمنون حقا المخلصون في إيمانهم هم الذين اجتمعت فيهم خمس خصال:
الأولى منها: ما ذكره بقوله: ﴿الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ﴾ ورقت وخافت ﴿قُلُوبُهُمْ﴾: من الله تعالى خوف عقاب، وهو خوف العصاة، وخوف الهيبة والعظمة وهو خوف الخواص، ولفظة إِنَّمَا تفيد الحصر، والمعنى: ليس المؤمنون الذين يخالفون الله ورسوله، ﴿إنّما﴾ المؤمنون الصادقون في إيمانهم هم الذين إذا ذكروا الله بقلوبهم وجلت قلوبهم؛ أي: خضعت وخافت ورقت قلوبهم؛ أي: فزعوا لعظمته وسلطانه، أو لوعده ووعيده، ومحاسبته لخلقه، والآية بمعنى قوله: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥)﴾.
فإن قلت: إنّه سبحانه وتعالى قال في هذه الآية: ﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ بمعنى خافت، وقال في آية أخرى ﴿وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ﴾، فكيف الجمع بينهما؟.
قلت: لا منافاة بين هاتين الحالتين؛ لأن الوجل هو خوف العقاب، والاطمئنان إنما يكون من ثلج اليقين، وشرح الصدر بنور المعرفة والتوحيد، وهذا مقام الخوف والرجاء، وقد جمعا في آية واحدة، وهي قوله سبحانه وتعالى: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ والمعنى: تقشعر جلودهم من خوف عقاب الله، ثم تلين جلودهم وقلوبهم عند ذكر الله، ورجاء ثوابه، وهذا حاصل في قلب المؤمنين.
والثانية: ما ذكره بقوله: ﴿وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ﴾؛ أي: وإذا قرأت عليهم آيات القرآن المنزلة على خاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلّم ﴿زادَتْهُمْ إِيمانًا﴾؛ أي: زادتهم تصديقا ويقينا في الإيمان، وقوة في الاطمئنان، ونشاطا في الأعمال؛ لأنّ تظاهر الأدلة، وتعاضد الحجج يوجد زيادة اليقين، فإبراهيم صلوات الله وسلامه عليه كان مؤمنا بإحياء الله الموتى حين دعا ربه أن يريه كيف يحييها، كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ فمقام الطمأنينية في الإيمان يزيد على ما دونه من