روى الطبراني عن الحارث بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، أنّه مر برسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال له: «كيف أصبحت يا حارثة؟» قال: أصبحت مؤمنا حقا، قال: «انظر ماذا تقول يا حارثة؟ فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟» فقال: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال: «يا حارثة عرفت فالزم» ثلاثا.
وروي عن الحسن أنّ رجلا سأله: أمؤمن أنت؟ قال: الإيمان إيمانان، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والجنة والنار، والبعث والحساب.. فأنا مؤمن، وإن كنت تسألني عن قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ...﴾ الخ فو الله لا أدري أنا منهم أم لا.
وبعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى أوصافهم، ذكر جزاءهم عند ربهم فقال: ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: لهؤلاء الموصوفين بالصفات السابقة ﴿دَرَجاتٌ﴾ من الكرامة والزلفى، ومراتب متفاوتة، بعضها فوق بعض بحسب تفاوتهم في الإيمان، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن في الجنة مئة درجة، ما بين كل درجتين مئة عام» أخرجه الترمذي.
وله أيضا عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنة مئة درجة، لو أنّ العالمين اجتمعوا في إحداهن.. لوسعتهم مدخرة لهم ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ الذي خلقهم وسواهم، وهو القادر على جزائهم على أعمالهم الصالحة في دار الجزاء والثواب، والله تعالى فضل بعض الناس على بعض، ورفعهم درجة أو درجات في الدنيا وفي الآخرة، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠)﴾ وقال تعالى في الرسل: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ﴾.
الآية. وقال في درجات الدنيا وحدها: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥)﴾.


الصفحة التالية
Icon