ويعدم المعاندين بالجملة، ويذهب أثرهم، ويمحق قوتهم، وقد كان الظفر ببدر فاتحة الظفر فيما بعدها، إلى أن قطع الله دابر المشركين بفتح مكة، قال صاحب (١) «الكشاف»: يعني أنّكم تريدون الفائدة العاجلة، وسفساف الأمور، وأن لا تلقوا ما يرزؤكم في أبدانكم وأموالكم، والله عز وجل يريد معالي الأمور، وما يرجع إلى عمارة الدين، ونصرة الحق، وعلو الكلمة، والفوز في الدارين، وشتان ما بين المرادين، ولذلك اختار لكم الطائفة ذات الشوكة، وكسر قوتهم بضعفكم، وغلب كثرتهم بقتلكم، وأعزكم وأذلهم اه.
٨ - وقوله: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ﴾ متعلق بمحذوف تقديره: وعد بما وعد وأراد بإحدى الطائفتين ذات الشوكة ليحق الحق الذي هو الإسلام؛ أي: ليظهر حقيته ويثبته، ويبطل الباطل الذي هو الشرك؛ أي: ليظهر بطلانه ويزيله ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾؛ أي: المشركون أولو الاعتداء والطغيان إظهار الحق وإحقاقه، وإبطال الباطل وإزالته، ولا يكون ذلك بالاستيلاء على العير، بل بقتل أئمة الكفر من صناديد قريش الذين خرجوا إليكم من مكة ليستأصلوكم.
وفي الآية سؤالان (٢):
الأول: أن قوله: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ﴾ تكرير مع قوله: ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ﴾ فما معناه؟
والجواب: أنّه ليس بتكرار؛ لأن المراد بالمذكور أولا تثبيت ما وعد في هذه الواقعة من النصر والظفر بالأعداء، وبالمذكور ثانيا تقوية الدين، وإظهار الإسلام مدى الأيام؛ لأنّ الذي وقع يوم بدر من نصر المؤمنين مع قلتهم، وقهر الكافرين مع كثرتهم.. كان سببا لإعزاز الدين وقوته، ولهذا السبب قرنه بقوله: ﴿وَيُبْطِلَ الْباطِلَ﴾، وقيل: إنّ الأول للفرق بين الإرادتين، إرادة الله تعالى وإرادتهم، والثاني لبيان الداعي إلى حمله صلى الله عليه وسلّم على اختيار ذات الشوكة ونصره؛ لأنّ الذي وقع من المؤمنين يوم بدر بالكافرين كان سببا لإعزاز الدين وقوته مدى الأيام.

(١) الكشاف.
(٢) الخازن مع بعض زيادة.


الصفحة التالية
Icon