«زاده» أي: يقويها ويعينها باليقين، فجعلها صابرة قوية ثابتة في مواطن الحرب، ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ﴾؛ أي: بذلك الماء ﴿الْأَقْدامَ﴾ على الرمل فقدروا على المشي عليه، كيف أردوا في مواطن القتال.
روى (١) ابن المنذر من طريق ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنه: أنّ المشركين غلبوا المسلمين في أول أمرهم على الماء، فظمىء المسلمون، وصلّوا مجنبين محدثين، وكان بينهم، رمال فألقى الشيطان في قلوبهم الحزن، وقال أتزعمون أنّ فيكم نبيّا وأنكم أولياء، وتصلون مجنبين محدثين؟ فأنزل الله من السماء ماء، فسال عليهم الوادي ماء، فشرب المسلمون، وتطهّروا، وثبتت أقدامهم؛ أي: على الرمل اللين لتلبده بالمطر، وذهبت وسوسته.
وقال ابن القيم: أنزل الله تعالى تلك الليلة مطرا واحدا، فكان على المشركين وابلا شديدا منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلا طهّرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطأ به الأرض وصلب الرمل، وثبت الأقدام، ومهّد به المنزل، وربط على قلوبهم فسبق رسول الله وأصحابه إلى الماء، فنزلوا عليه شطر الليل، وصنعوا الحياض ثم غوروا ما عداها من المياه، ونزل رسول الله وأصحابه أعلى الحياض، وبني لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عريش على تلّ مشرف على المعركة، ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان إن شاء الله تعالى، فما تعدّى أحد منهم موضع إشارته.
وقال ابن إسحاق (٢): إن الحباب بن المنذر قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا أن نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: «بل هو الحرب والرأي والمكيدة» قال: يا رسول الله، فإنّ هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم تغور ما وراءه من القلب، - الأبار غير المبنية - ثم نبني عليها حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لقد أشرت بالرأي»
(٢) المراغي.