كما قيل: كل ما اشتدت مشقته على النفوس فهو رجز. اه.
﴿وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ﴾ والربط على القلوب تثبيتها وتوطينها على الصبر، وفي «زاده» الربط الشد، يقال لكل من صبر على أمر ربط على قلبه، أي قواه وشدده. وعدى بعلى للإيذان بأن قوة قلوبهم بلغت في الكمال إلى أن صارت مستولية على القلوب، حتى صارت كأنها علت عليها، وارتفعت فوقها؛ أي: فتفيد التمكن في القوة ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ والرعب الخوف الذي يملأ القلب ﴿فَوْقَ الْأَعْناقِ﴾؛ أي: الرؤوس ﴿كُلَّ بَنانٍ﴾ والبنان: أطراف الأصابع من اليدين والرجلين، وهي جمع بنانة وفي «المصباح» البنان الأصابع، وقيل: أطرافها، والواحدة بنانة اه وفي «السمين» والبنان قيل: الأصابع، وهو اسم جنس، الواحد: بنانة، وضربها عبارة عن الثبات في الحرب، فإذا ضربت البنان تعطل من المضروب القتال بخلاف سائر الأعضاء، قال عنترة:

وقد كان في الهيجاء يحمي ذمارها ويضرب عند الكرب كلّ بنان
﴿بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾؛ أي: عادوا وخالفوا، وسميت العداوة مشاقة لأن كلا من المتعاديين يكون في شق غير الذي يكون فيه الآخر.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الأيات أنواعا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الحصر في قوله: ﴿وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ لأن تقديم المعمول على عامله يفيد الحصر.
ومنها: الإشارة بالبعيد عن القريب في قوله: ﴿أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ إشعارا بعلو مرتبتهم وبعد منزلتهم في الشرف.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ استعار الدرجات التي هي حقيقة في المحسوسات للمراتب الرفيعة، والمنازل العالية في الجنة بجامع العلو في كل.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾ شبه حالهم وقت قسم الأنفال


الصفحة التالية
Icon