من المشركين ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾؛ أي: في الوقت الذي رميت فيه القبضة من التراب بإلقائها في الهواء، فأصابت وجوههم، فإن ما فعلته لا يكون له من التأثير مثل ما حدث ﴿وَلكِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿رَمى﴾ وجوههم كلهم بذلك التراب، الذي ألقيته في الهواء على قلته أو بعد تكثيره بمحض قدرته.
فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم رمى المشركين يومئذ بقبضة من التراب وقال: «شاهت الوجوه» ثلاثا، فأعقبت رميته هزيمتهم، ومعنى (١) شاهت الوجوه، قبحت يقال: شاه وجهه يشوه شوها وشوهة، ويقال: رجل أشوه وامرأة شوهاء إذا كانا قبيحين.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما قال في استغاثته يوم بدر: «يا رب إن تهلك هذه العصابة، فلن تعبد في الأرض أبدا» قال له جبريل: خذ قبضة من التراب فارم بها وجوههم، ففعل، فما من أحد من المشركين إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين.
وقال ثعلب (٢): المعنى ﴿وَما رَمَيْتَ﴾ الفزع والرعب في قلوبهم، ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾ بالحصباء فانهزموا ﴿وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى﴾؛ أي: أعانك وأظفرك، والعرب تقول: رمى الله لك، أي أعانك وأظفرك وصنع لك، وقد حكى مثل هذا أبو عبيدة في كتاب «المجاز» وقال محمد بن يزيد المبرد: المعنى ﴿وَما رَمَيْتَ﴾ بقوتك ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾ ولكنك بقوة الله رميت، وقيل: المعنى إن تلك الرمية بالقبضة من التراب التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة، لأنك لو رميتها ما بلغ أثرها إلا ما يبلغه رمي البشر، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم، فأثبت الرمية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأن صورتها وجدت منه، ونفاها عنه، لأنّ أثرها الذي لا يطيقه البشر فعل الله عز وجل، فكأن الله فاعل الرمية على الحقيقة، وكأنها لم توجد من رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصلا، هكذا في «الكشاف» فإن قلت: كيف نفى عن المؤمنين قتل الكفار مع أنهم قتلوهم يوم بدر، ونفى عن النبي صلى الله عليه وسلّم رميهم
(٢) الشوكاني.