الفهم والتصديق بما يسمع كما هو شأن المؤمنين الذين من دأبهم أن يقولوا: ﴿سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ والمعنى: وأنتم تسمعون ما يتلى عليكم من الحجج، والبراهين، وتصدقون بها، ولستم كالصم البكم
٢١ - ﴿وَلا تَكُونُوا﴾ أيها المؤمنون ﴿كَالَّذِينَ قالُوا﴾ بأسلنتهم ﴿سَمِعْنا﴾ دعوتك ﴿وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾؛ أي: لا يتعظون، ولا ينتفعون بما سمعوا من القرآن، والمواعظ؛ أي: قالوا بألسنتهم: إنا قبلنا تكاليف الله تعالى، والحال: أنهم لا يقبلونها بقلوبهم، وهم المشركون، أو المنافقون، أو اليهود، أو الجميع من هؤلاء، فإنهم يسمعون بآذانهم من غير فهم ولا عمل، فهم كالذي لا يسمع أصلا، لأنهم لم ينتفعوا بما سمعوا.
٢٢ - ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ﴾ جمع دابة، وهي كل ما دب على الأرض، وقل أن يستعمل في الإنسان، بل الغالب أن يستعمل في الحشرات، ودواب الركوب، فإذا استعمل في الإنسان كان ذلك في موضع الاحتقار؛ أي: إن شر ما دب على الأرض وأقبحه وأخسه ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ تعالى؛ أي: في حكم الله وقضائه هم ﴿الصُّمُّ﴾ الذين لا يسمعون الحق ﴿الْبُكْمُ﴾ الذين لا ينطقون به، وصفوا بذلك مع كونهم ممن يسمع وينطق لعدم انتفاعهم بالسمع والنطق ﴿الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ ولا يعرفون ما فيه النفع لهم، فيأتونه، وما فيه الضرر عليهم فيجتنبونه، فهم شر الدواب عند الله تعالى، لأنها تميز بعض تمييز، وتفرق بين ما ينفعها ويضرها، والمعنى: إن شر الدواب في حكم الله وقضائه هم الصم الذين لا يصغون بأسماعهم ليعرفوا الحق، ويعتبروا بالموعظة الحسنة، فهم بفقدهم لمنفعة السمع كانوا كأنهم فقدوا حاسته، البكم الذين لا يقولون الحق ومن ثم كانوا كأنهم فقدوا النطق الذين لا يعقلون الفرق بين الحق والباطل، والخير والشر، إذ هم لو عقلوا لطلبوه واهتدوا إلى ما فيه المنفعة والفائدة لهم، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)﴾.
والخلاصة: أنهم حين فقدوا منفعة السمع والنطق والعقل.. كانوا كأنهم فقدوا هذه المشاعر والقوى بأن خلقوا خداجا ناقصي هذه المشاعر، أو طرأت