قلت: إنه تعالى مالك الملك، وخالق الخلق، وهم عبيده وفي ملكه يتصرف فيهم كيف يشاء، لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، فيحسن ذلك منه على سبيل المالكية، أو لأنه تعالى علم اشتمال ذلك على أنواع من أنواع المصلحة، والله أعلم بمراده.
وقرأ ابن (١) مسعود وعلي، وزيد بن ثابت، والباقر، والربيع بن أنس، وأبو العالية ﴿لتصيبن﴾ وفي ذلك وعيد للظالمين فقط، وعلى هذا التوجيه خرج ابن جني قراءة الجماعة ﴿لا تُصِيبَنَّ﴾ وحكى النقاش عن ابن مسعود، أنه قرأ فتن أن تصيب ﴿وَاعْلَمُوا﴾ أيها المؤمنون ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿شَدِيدُ الْعِقابِ﴾؛ أي: شديد عقابه للأمم، والأفراد، التي خالفت سننه التي لا تبديل لها ولا تحويل، أو خالفت هدى دينه المزكي، للأنفس المطهر للقلوب، ولذلك يصيب بالعذاب من لم يباشر سببه، والمعنى: الزموا الاستقامة خوفا من عذاب الله تعالى، وهذا العقاب (٢) منه ما هو في الدنيا، وهو مطرد في الأمم وقد أصيبت به الأمة الإسلامية في القرن الأول الذي كان أهله خير القرون بعده، إذ قصروا في درء الفتنة الأولى، فعاقبهم الله عقابا شديدا على ذلك، ثم تسلسل العقاب في كل جيل وقع فيه ذلك، ثم امتزجت الفتن المذهبية بالفتن السياسية على الملك والسلطان، حتى زالت الخلافة التي تنافسوا فيها وتقاتلوا لأجلها.
وقد يقع هذا العقاب للأفراد، لكنهم ربما لا يشعرون به، لأنه يقع تدريجيا، فلا يكاد يحس به، وأما العقاب الأخروي فأمره الله إلى العالم بالسر والنجوى، والذي جعل العقاب آثارا طبيعية للذنوب التي تجترحها الأفراد والأمم.
٢٦ - وقوله: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ﴾ خطاب للمهاجرين يذكرهم فيه سبحانه بما كان من ضعفهم وقلتهم، وقد يكون الخطاب للمؤمنين عامة في عصر التنزيل، يذكرهم فيه بما كان من ضعف أمتهم العربية في الجزيرة بين الدول القوية من فارس والروم.
(٢) المراغي.