دعوتهم إلى التوبة من الشرك وإنذارهم سوء العاقبة، ثم أمر بما يترتب على النبذ - وهو عود حال الحرب معهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم التي وقتت بها - بمناجزة المشركين بكل أنواع القتال المعروفة في ذلك العصر، من قتل وأسر وحصر وقطع طرق الوصول عليهم إلا من يستجير بالرسول يسمع كلام الله، فإنه يجار حتى يسمعه.. أردف ذلك ببيان أنَّ هذا النبذ وما يترتب عليه إنَّما هو معاملة للأعداء بمثل ما عاملوا به المؤمنين، أو دونه.
قوله تعالى: ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لمَّا ذكر (١) غلبة الفسق والخروج من الفضائل الفطرية والتقليدية على أكثرهم، حتى مراعاة القرابة والوفاء، ونحوهما مما يمدح عندهم.. أردف ذلك بذكر السبب في هاتين الآيتين.
قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لمَّا بين عداوة المشركين للمؤمنين.. أردف ذلك بما سيكون من أمرهم بعد ذلك، وهو لا يعدو أحد أمرين، فصلهما في هاتين الآيتين.
التفسير وأوجه القراءة
١ - وقوله: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾: خبرٌ لمبتدأ محذوف، تقديره: هذه (٢) الآيات الآتية التي أُمر عليُّ بن أبي طالب بالنداء بها يوم النحر - وهي أربعون آية تنتهي إلى قوله: ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ - براءة من جهة الله ورسوله، واصلة ﴿إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾؛ أي: هذه الآيات دالة على البراءة، أي: على التبري والتباعد من الله ورسوله، أي: على انقطاع الوصلة بينهما وبين المشركين، و ﴿من﴾ ابتدائية، وقرىء شاذًا: ﴿من الله﴾ - بكسر النون - على أصل التقاء الساكنين، ذكره أبو البقاء. أي: تبرّؤ وتباعدٌ مبتدأ من الله ورسوله من عهود المشركين الناقضين للعهد؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى قد أذن في معاهدة المشركين،
(٢) الفتوحات.