معه أربعين آية من صدر براءة، ليقرأها على أهل الموسم، ثم بعث بعده عليًّا على ناقته العضباء، ليقرأ على الناس صدر براءة، وأمره أن يؤذِّن بمكة ومنى وعرفة: أن قد برئت ذمة الله وذمة رسوله - ﷺ - من كل شرك، ولا يطوف بالبيت عريانٌ، فسار أبو بكر أميرًا على الحجاج، وعليٌّ بن أبي طالب يؤذِّن ببراءة، فلمَّا كان قبل يوم التروية بيوم.. قام أبو بكر رضي الله عنه فخطب الناس، وحدثهم عن مناسكهم، وأقام للناس الحجَّ، والعرب في تلك السنة على معاهداتهم التي كانوا عليها في الجاهلية من أمر الحج، حتى إذا كان يوم النحر.. قام عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فأذَّن في الناس بالذي أمر به، وقرأ عليهم أول سورة براءة، وقال عليٌّ: بعثت بأربع: لا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبي - ﷺ - عهد.. فهو إلى مدته، ومن لم يكن له عهد.. فأجله أربعة أشهر، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا في الحج، فقال المشركون لعليٍّ عند ذلك: أبلغ ابن عمك أنا قد نبذنا العهد وراء ظهورنا، وإنه ليس بيننا وبينه عهد إلا طعن بالرماح، وضرب بالسيوف. ثم حج رسول الله - ﷺ - سنة عشر حجة الوداع، وقال: "إن الزمان قد استدار... " الحديث.
٢ - وقوله: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ مقول لقول محذوف، هو خطاب من الله تعالى للمؤمنين مبين لما يجب عليهم أن يقولوه للمشركين الذين برىء الله ورسوله من عهودهم؛ أي: فقولوا أيها المسلمون للمشركين: سيحوا في الأرض؛ أي: سيروا في نواحي الأرض كيف شئتم، مقبلين ومدبرين، آمنين غير خائفين، لا يتعرض لكم أحد من المسلمين بقتل ولا قتال مدة أربعة أشهر، تبتدىء من عاشر ذي الحجة من سنة تسع للهجرة - وهو يوم النحر الذي بلِّغوا فيه هذه الدعوة - وتنتهي في عاشر شهر ربيع الآخر من سنة عشر. قال الكلبي: إنّما كانت الأربعة الأشهر لمن كان بينه وبين رسول الله - ﷺ - عهد دون أربعة أشهر، ومن كان عهده أكثر من ذلك.. فهو الذي أمر الله أن يتم له عهده بقوله: ﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾.