والحكمة في تحديد هذه المدة (١): ليكون لهم فسحة من الوقت للنظر والتفكير في عاقبة أمرهم، والتخير بين الإِسلام والاستعداد للقتال إذا هم أصروا على شركهم وعدوانهم، وهذا منتهى ما يكون من السماحة والرحمة والإعذار إلى أعدى أعدائه المحاربين، حتى لا يقال: إنه أخذهم على غرة.
﴿وَاعْلَمُوا﴾ أيها المشركون ﴿أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ﴾؛ أي: غير فائتي عذاب الله تعالى، وأن هذا الإمهال ليس لعجز عنكم، بل للطف بكم؛ ليتوب من تاب منكم؛ أي: اعلموا أني أمهلتكم وأطلقت لكم، فافعلوا كل ما أمكنم فعله من إعداد الآلات وتحصيل الأسباب، فإنكم لا تعجزون الله، بل الله يعجزكم ويأخذكم؛ لأنكم في ملكه ﴿و﴾ اعلموا أيضًا ﴿أن الله﴾ سبحانه وتعالى ﴿مُخْزِي الْكَافِرِينَ﴾؛ أي: مذلهم في الدنيا بالقتل والأسر، وفي الآخرة بالعذاب.
والمعنى (٢): واعلموا أنَّكم لن تعجزوا الله تعالى، ولن تفوتوه فتجدوا مهربًا منه إذا أنتم أصررتم على شرككم وعدوانكم لله ورسوله، بل سيسلط عليكم المؤمنين ويؤيِّدهم بنصره الذي وعدهم به، والعاقبة للمتقين، فقد جرت سنة الله بخزي الكافرين منكم ومن غيركم في معاداتهم وقتالهم لرسله في الدنيا والآخرة، كما جاء في مشركي مكة ومن نحا نحوَهم: ﴿كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦)﴾.
٣ - وقوله: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ خبر لمحذوف، تقديره: أي وهذه الآيات الآتي ذكرها أذان وإعلام صادر من الله سبحانه وتعالى ورسوله - ﷺ - واصل ﴿إِلَى النَّاسِ﴾ كافة، غير مختص بقوم دون قوم، واقع ﴿يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ وهو يوم العيد؛ لأنَّ فيه تمام معظم أفعال الحج من الطواف والنحر والحلق والرمي، وعن (٣) علي بن أبي طالب قال: سألت رسول الله - ﷺ - عن يوم الحج الأكبر،
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.