يؤمنوا بالله وملائكته واليوم الآخر ﴿بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ في الآخرة وهذا من أنباء الغيب التي لا تعلم إلا بوحي من الله عز وجل، وفي استعمال البشارة فيما يسوء ويكره، ضرب من التهكم بهم، وفيه من الوعيد ما لا يخفى، فالبشارة على سبيل الاستهزاء، كما يقال إكرامهم الشتم وتحيتهم الضرب، أو المعنى أخبرهم بالقتل بعد أربعة أشهر،
٤ - وقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ قال الزجاج (١): إنه استثناء من قوله: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ الخ والتقدير: براءة من الله ورسوله إلى المعاهدين من المشركين إلا الذين لم ينقضوا العهد منهم، وقال في "الكشاف": إنه مستثنى من قوله: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ﴾ والتقدير: فقولوا لهم: سيحوا في الأرض إلا الذين عاهدتم من المشركين ﴿ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا﴾ من شروط الميثاق ولم يضروكم؛ أي: لم يقع منهم أيُّ نقص وإن كان يسيرًا.
وفيه دليلٌ على أنه كان من أهل العهد من خان بعهده، ومنهم من ثبت عليه فأذن الله سبحانه لنبيه - ﷺ -، بنقض عهد من نقض وبالوفاء لمن لم ينقض إلى مدته ﴿وَلَمْ يُظَاهِرُوا﴾؛ أي: ولم يعاونوا ﴿عَلَيْكُمْ أَحَدًا﴾ من أعدائكم، وقرأ عطاء بن السائب الكوفي وعكرمة وأبو زيد وابن السميقع ﴿ينقضوكم﴾ بالضاد المعجمة، وهو على حذف مضاف؛ أي: ثم لم ينقضوا عهدكم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، لدلالة الكلام عليه.
﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾؛ أي: إلى وقت أجلهم تسعة أشهر، كما سيأتي قريبًا، والمعنى (٢): لا تمهلوا الناكثين للعهد فوق أربعة أشهر، إلا الذين عاهدتموهم ثم لم ينكثوا عهدهم فلا تجروهم مجرى الناكثين في المسارعة إلى قتالهم، بل أتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم، بشرط أن لا ينقضوا شيئًا من شروط الميثاق، ولا يضاروكم ولا يعاونوا عليكم أحدا من أعدائكم؛ أي: فلا تجعلوا الوافين كالغادرين، وهم بنو ضمرة حيٌّ من كنانة، أمر الله رسوله - ﷺ -، بإتمام عهدهم إلى مدتهم، وكان قد بقي من مدتهم تسعة أشهر، فإنهم ما غدروا من

(١) المراغي.
(٢) المراح.


الصفحة التالية
Icon