هذين الوجهين.
وفي ذلك (١) إيماءٌ إلى أن الوفاء بالعهد من فرائض الإِسلام ما دام العهد معقودًا، وإلى أنَّ العهد المؤقت لا يجوز نقضه إلا بانتهاء وقته، وإلى أنَّ من شروط وجوب الوفاء به محافظة العدوِّ المعاهد لنا على ذلك العهد بحذافيره، بنصه وفحواه، فإن نقص شيئًا منه وأخل بغرض من أغراضه.. عد ناقضًا له، كما قال: ﴿ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا﴾ ويدخل في الإخلال مظاهرة أحد من الأعداء على المسلمين؛ لأن المقصود من المعاهدات ترك قتال كل من الفريقين المتعاهدين للآخر، وحرية التعامل بينهما.
﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾؛ أي: الذين يتقون نقض العهد، وخفر الذمم وسائر المفاسد التي تخل بالنظام، وتمنع جريان العدل بين الناس.
وفي ذلك إيماء إلى أنَّ مراعاة حقوق العهد تدخل في حدود التقوى، وإلى أن التسوية بين الوفيِّ والغادر منافية لذلك، وإن كان المعاهد مشركًا.
وقد ورد في تنفيذ أمر الله بهذه البراءة والأذان بها؛ أي: التبليغ العلني، أحاديث في الصِّحاح، أشهرها: أنَّ النبي - ﷺ - جعل أبا بكر رضي الله عنه أميرًا على الحج سنة تسع، وأمره أن يبلغ المشركين الذين يحضرون الحجَّ أنهم يمنعون منه بعهد ذلك العام، ثم أردفه بعليِّ كرم الله وجهه ليبلغهم عنه نبذ عهودهم المطلقة وإعطاءهم مهلة أربعة أشهر، لينظروا في أمرهم، وأن العهود المؤقتة أجلها نهاية وقتها، ويتلو عليهم الآيات المتضمنة لنبذ العهود وما يتعلق بها، من أول سورة براءة وهي نحو أربعين آية.
وقد كان من عادة العرب أنَّ العهود ونبذها إنما يكون ممن عاقدها أو من أحد عصبته القريبة، وإنَّ عليًّا اختصَّ بذلك مع بقاء إمارة الحج لأبي بكر، وكان يساعده على ذلك بعض الصحابة كأبي هريرة.