روى البخاري ومسلم، عن أبي هريرة، قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذِّنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى، ألَّا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ثم أردف رسول الله - ﷺ - بعلي بن أبي طالب: وأمره أن يؤذِّن ببراءة وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.
٥ - ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ﴾: أي: انقضى ومضى وخرج ﴿الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾؛ أىِ: الباقي منها من وقت نبذ العهد، وهو يوم النحر، والباقي منها خمسون يومًا ينقضي بانقضاء المحرم، فالمراد بالأشهر الحرم على هذا المعنى الأشهر المعروفة التي هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، ثلاثة سرد، واحدٌ فردٌ، وقد وقع النداء والنبذ إلى المشركين بعهدهم يوم النحر، فكان الباقي من الأشهر الحرم التي هي الثلاثة المسرودة، خمسين يومًا تنقضي بانقضاء شهر المحرم، فأمرهم الله تعالى، بقتل المشركين حيث يوجدون، وبه قال جماعة من أهل العلم، منهم الضحاك والباقر وروي عن ابن عباس واختاره ابن جرير.
وقيل: المراد بها شهور العهد المشار إليها بقوله: ﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ وسميت حرمًا؛ لأن الله سبحانه حرَّم فيها على المسلمين دماء المشركين والتعرض لهم، وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم، منهم مجاهد وابن إسحاق وابن زيد وغيرهم.
وقيل: هي الأشهر المذكورة في قوله: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ وقد روي ذلك عن ابن عباس وجماعة، ورجحه ابن كثير، وحكاه عن مجاهد وعمر وابن شعيب ومحمد ابن إسحاق وقتادة وغيرهم، وسيأتي بيان حكم القتال في الأشهر الحرم الدائرة في كل سنة في هذه السورة إن شاء الله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ الناكثين خاصَّةً ﴿حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾؛ أي: في أيِّ مكان وجدتموهم من حلٍّ أو حرم، وفي أيِّ وقت، قال الشوكاني (١): وهذه الآية المتضمنة للأمر بقتل المشركين عند انسلاخ الأشهر الحرم عامة لكل مشرك، لا يخرج عنها إلا من