إلا الشر والإيذاء إن قدروا ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾؛ أي: كاذبون ناقضون للعهد خارجون عن الحق، مذمومون عند جميع الناس، وفي جميع الأديان، والمعنى: هم يخادعونكم (١)، حال الضعف بما يفوهون به من كلام معسولٍ، يرون أنه يرضيكم، سواء أكان عهدًا، أم وعدًا أم أيمانًا مؤكدة، وقلوبهم مملوءة ضغنًا وحقدًا ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ فهم إن ظهروا عليكم.. نكثوا العهود وحنثوا بالأيمان وفتكوا بكم بقدر ما يستطيعون، وإنما يفعلون ذلك؛ لأنَّ أكثرهم خارجون من قيود العهود والمواثيق، متجاوزون لحدود الصدق والوفاء، فليس لهم مروءة رادعةٌ، ولا عقيدة وازعة، ولا يتعففون عن الغدر، وعما يجر إلى سوء الأحدوثة وثلم العرض، وإنما وصف الأكثر؛ لأنهم هم الناكثون الناقضون لعهودهم، وأقلهم الموفون الذين استثناهم الله تعالى، وأمر المؤمنين بالاستقامة لهم ما استقاموا لهم.
فإن قلت: (٢) إن الموصوفين بهذه الصفة كفار، والكفر أخبث وأقبح من الفسق، فكيف وصفهم بالفسق في معرض الذم، وما الفائدة في قوله: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾، مع أنَّ الكفار كلهم فاسقون؟
قلتُ: قد يكون الكافر عدلًا في دينه، وقد يكون فاسقًا خبيث الفسق في دينه، فالمراد بوصفهم بكونهم فاسقين: أنهم نقضوا العهد، وبالغوا في العداوة فوصفهم بكونهم فاسقين مع كفرهم، فيكون أبلغ في الذم، وإنما قال: أكثرهم، ولم يقل: كلهم فاسقون؛ لأنَّ منهم من وفى بالعهد ولم ينقضه، وأكثرهم نقضوا العهد، فلهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ وقيل (٣): معنى وأكثرهم: وكلهم فاسقون، قاله: ابن عطية والكرماني.
٩ - ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾؛ أي: استبدلوا بآيات القرآن والإيمان بها؛ أي: تركوا آيات الله الآمرة بالاستقامة في كل أمر وأخذوا بدلها ﴿ثَمَنًا قَلِيلًا﴾؛ أي: عوضًا يسيرًا من الدنيا لأجل تحصيل الشهوات، والمعنى استبدلوا آيات الله بالأعراض
(٢) الخازن.
(٣) البحر المحيط.