الفانية والشهوات الزائلة، وذلك أن أبا سفيان بن حرب أطعم حلفاءه وترك حلفاء النبي - ﷺ -، وحملتهم تلك الأكلة على نقض العهد، فنقضوا العهد الذي كان بينهم وبين الرسول - ﷺ -، بسبب تلك الأكلة ﴿فَصَدُّوا﴾؛ أي: منعوا الناس عن ﴿سَبِيلِهِ﴾؛ أي: عن الدخول في دين الله تعالى، أو صدُّوا الناس عن سبيل البيت الحرام، حيث كانوا يصدُّون الحجاج والعمار عنه، أو معنى فصدوا عن سبيله؛ أي: فعدلوا وأعرضوا عن سبيل الحق ﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: بئس ما كانوا يعملونه من الشرك ونقضهم العهد، ومنعهم الناس عن الدخول في دين الإِسلام.
وحاصل المعنى: أنهم (١) استبدلوا بآيات الله الدالة على توحيده بالعبادة وعلى الوحي والرسالة وما فيها من الهداية للناس وعلى البعث والجزاء على الأعمال ثمنًا قليلًا من حطام الدنيا، وهو ما هم فيه من رخاء العيش، وكثرة الأموال، فصدوا بسبب هذا الشراء الخسيس أنفسهم عن الإِسلام، وما يقتضيه من الوفاء، وصدوا غيرهم أيضًا، وجعله قليلًا؛ لأنه زائلٌ غير باق، وما عند الله باق دائم، وهو خير وأبقى، روي أن أبا سفيان لمَّا أراد حمل قريش وحلفائها على نقض عهد الحديبية.. صنع لهم طعامًا استمالهم به، فأجابوه إلى ما طلب ﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: قبح عملهم الذي يعملونه، من اشتراء الكفر بالإيمان والضلالة بالهدى، والصد عن دين الله، وما جاء به رسول الله - ﷺ -، من البينات والهدى.
١٠ - وقوله: ﴿لَا يَرْقُبُونَ﴾؛ أي: لا يرقب هؤلاء المشركون الناقضون للعهد ولا يحفظون ﴿فِي مُؤْمِنٍ﴾ أيَّ مؤمن كان، سواء كان منكم أيها المخاطبون، أو من غيركم ﴿إِلًّا﴾؛ أي: قرابةً ورحمًا ﴿وَلَا ذِمَّةً﴾؛ أي: ولا عهدًا؛ أي: لا يلتفتون إلى قرابته ولا إلى عهده، إذا قدروا عليه.. قتلوه، فلا تبقوا أنتم عليهم، كما لا يبقوا عليكم إذ ظهروا عليكم، ولا تكرار (٢) هنا؛ لأن الأول: على الخصوص،
(٢) النسفي.