وكانوا يتعظمون غزو الروم، لا جرم أنهم تخلفوا لهذا السبب.
ثم أخبر الله سبحانه وتعالى أنه إذا رجع النبي - ﷺ - من هذا الجهاد، يحلفون باللهِ، وهو قوله تعالى: ﴿وَسَيَحْلِفُونَ﴾؛ أي: المتخلفون عن الغزو عند رجوعك من غزوة تبوك، وهم عبد الله بن أبي وجُدُّ بن قيس ومعتب بن قشير وأصحابهم، كما قال: ﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ﴾ قائلين ﴿بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا﴾ الخروج إلى الجهاد بوجود الزاد والراحلة وانتفاء الأعذار المانعة منه ﴿لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ﴾ إلى غزوة تبوك، فما كان تخلفنا إلا لاضطرار، وقال البيضاوي: هذه (١) الجملة سادة مسد جوابي القسم والشرط، وهذا من المعجزات؛ لأنه إخبار عما وقع قبل وقوعه اهـ.
﴿يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ بإيقاعها في العذاب بامتهان اسم الله بالحلف الكاذب، لستر نفاقهم وإخفائه، تأييدًا للباطل بالباطل، وتقويةً للإجرام بالإجرام، فإن الأيمان الكاذبة توجب الهلاك، روي أنه - ﷺ - قال: "اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع".
﴿وَاللهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ في أيمانهم وحلفهم بالله، وقولهم: ﴿لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ﴾، فهم كانوا للخروج مطيقين، إذ كانوا أصحاء الأبدان أقوياء الأجسام ذوي يسرة في المال، وقرأ الأعمش وزيد بن علي ﴿لَوُ اسْتَطَعْنَا﴾ بضم الواو، فرَّ من ثقل الكسرة على الواو، وشبهها بواو الجمع، عند تحريكها لالتقاء الساكنين، وقرأ (٢) الحسن: بفتحها، كما جاء ﴿اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ﴾ بالأوجه الثلاثة،
٤٣ - ثم عاتب الله سبحانه وتعالى نبيه - ﷺ - في إذنه لمن تخلف عنه من المنافقين، حين شخص إلى تبوك لغزو الروم، فقال: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ﴾ يا محمَّد، ما وقع منك، من ترك الأولى والأكمل؛ أي: عما عنك ما أدَّاك إليه اجتهادك من الإذن لهم حين استأذنوك وكذبوا عليك في الاعتذار، والاستفهام في قوله: ﴿لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ للعتاب من الله تعالى لرسوله - ﷺ -، حيث

(١) البيضاوي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon