في الرقاع والأكتاف والعُسُب إلا عنده، وقد كانتا محفوظتين معروفتين للكثير كما صُرح ذلك في الروايات الأخرى.
فقد أخرج ابن أبي داود في "المصاحف"، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، قال: أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر براءة ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ إلى عمر، فقال: من معك على هذا؟ فقال: لا أدري، والله إني أشهد لسمعتهما من رسول الله، - ﷺ -، ووعيتهما وحفظتهما، فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتهما من رسول الله، - ﷺ -، لو كانت ثلاث آيات لجعلتهما سورة على حدة، فانظروا سورةً من القرآن فالحقوها بها، فألحقت في آخر براءة وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، أن رجلًا من الأنصار جاء بهما عمر، فقال عمر: لا أسألك عليها بينة أبدًا، كذلك كان رسول الله، - ﷺ -، يقرؤها.
ومن هذه الروايات يعلم، أن الآيتين كانتا محفوظتين مشهورتين، إلا أنهم اختلفوا في موضعهما، ففي بعضها أنهما آخر سورة براءة بالتوقيف من النبي، - ﷺ -. وفي بعضها أنهما وضعتا بالرأي والاجتهاد، ولكن المعتمد هو الأول؛ لأن من حفظ بالتوقيف حجة على من لم يحفظ. قال الحافظ ابن حجر في "شرح البخاري": إن زيدًا لم يكن يعتمد في جمع القرآن على علمه، ولا يقتصر على حفظه، واكتفاؤه بخزيمة وحده إنما كان لأنه لم يجدهما مكتوبتين عند غيره وإن كانتا محفوظتين عنده وعند غيره، وحسبك دليلًا على ذلك قوله: إنهم كانوا يسمعون رسول الله، - ﷺ -، يقرؤها فهو صريح في أن البحث عمن كتبها فقط، اهـ فجملة القول أن الآيتين كانتا محفوظتين ومكتوبتين ومعروفتين لكثير من الصحابة، وإنما اختلفوا حين الجمع، في موضع كتابتهما، حتى شهد من شهد أن النبي، - ﷺ -، هو الذي وضعهما في آخر سورة براءة وفاقًا لقول أبيّ بن كعب، وهو أحد الذين تلقوا القرآنَ كُلَّه مرتبًا عن النبي، - ﷺ -، وكذا زيد بن ثابت، وكان عدد المختلفين في موضعهما قليلًا، فلما كتبتا في المصاحف وافق الجميع على وضعهما هذا، ولم يروا أيَّ اعتراض على ذلك ممن كتبوا لأنفسهم مصاحف اعتمدوا فيها على حفظهم، كابن مسعود رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon