والحكمة في مجيئها أول السورة: تنبيه السامع إلى ما يتلى عليه بعدها، لأجل العناية بفهمه، حتى لا يفوته شيء مما يسمع، فهي من وادي حروف التنبيه نحو ﴿لا﴾ و ﴿ها﴾ الداخلة على اسم الإشارة.
قال ابن الجوزي (١): فأما قوله: ﴿الر﴾ قرأ ابن كثير: ﴿الر﴾ بفتح الراء. وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي ﴿الر﴾ على الهجاء مكسورة، وقد ذكرنا في أول سورة البقرة ما يشتمل على بيان هذا الجنس، وقد خصت هذه الكلمة بستة أقوال:
أحدها: أن معناها، أنا الله أرى، رواه الضحاك، عن ابن عباس.
والثاني: أنا الله الرحمن، رواه عطاء، عن ابن عباس.
والثالث: أنه بعض اسم من أسماء الله، روى عكرمة، عن ابن عباس قال: ﴿الر﴾ و ﴿حم﴾ و ﴿نون﴾ حروف الرحمن، فالراء والحاء والميم والنون بعض حروف الرحمن.
والرابع: أنه قسم أقسم الله به، رواه ابن أبي طلحة، عن ابن عباس.
والخامس: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله مجاهد وقتادة.
والسادس: أنه اسم لسورة قاله ابن زيد.
وقد (٢) اتفق القراء على أن ﴿الر﴾ ليس بآية وعلى أن طه آية. وفي "مقنع" أبي عمرو الداني، أن العادّين لطه آية هم الكوفيون فقط. قيل: ولعل الفرق بينهما أن ﴿الر﴾ لا يشاكل مقاطع الآية التي بعده.
والإشارة بقوله: ﴿تِلْكَ﴾ إلى ما تضمنته هذه السورة من الآيات، وأتى باسم إشارة البعيد مع كونها قريبة تنزيلًا لبعدها الرتبي منزلة البعد الحسي، وهو مبتدأ خبره ما بعده؛ أي: هذه الآيات المذكورة في هذه السورة هي ﴿آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ أي: آيات من القرآن المحكم بمعنى، المبين في مبانيه الموضح في

(١) زاد المسير.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon