لكونه في الأصل غير إنسان، هذا إن كان العجب منهم لكونه من جنسهم، وأما إن كان لكونه يتيمًا، أو فقيرًا، فذلك لا يمنع من أن يكون من كان كذلك جامعًا من خصال الخير والشرف، ما لم يجمعه غيره، وبالغًا في كمال الصفات إلى حد يقصر عنه من كان غنيًّا أو كان غير يتيم.
وقد كان لرسول الله، - ﷺ -، قبل أن يصطفيه الله تعالى بإرساله، من خصال الكمال عند قريش، ما هو أشهر من الشمس، وأظهر من النهار، حتى كانوا يسمونه الأمين.
وقرأ ابن مسعود (١): ﴿عجب﴾ بالرفع على أن كان تامة وعجب فاعلها، والمعنى: أحدث للناس عجب لأن أوحينا إلى رجل منهم، ومعنى: كونه للناس عجبًا، أنهم جعلوه لهم أعجوبة يتعجبون منها، ونصبوه علمًا لهم يوجهون نحوه استهزاءهم وإنكارهم. وقرأ رؤبة: ﴿إِلَى رَجُلٍ﴾ بسكون الجيم، وهي لغة تميمية، يسكنون فعلًا، نحو: سبع وعضد، في سبع وعضد. ولما كان الإنذار عامًّا، كان متعلقه - وهو الناس - عامًّا، ولما كانت البشارة خاصة كان متعلقها خاصًّا، وهو الذين آمنوا.
وقوله: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ معطوف على ﴿أَنْذِرِ النَّاسَ﴾ والمعنى: أكان للناس عجبًا إيحاؤنا إلى رجل منهم، بأن أنذر (٢) الناس كافة، وأعلمهم بالتوحيد والبعث وسائر مقاصد الدين، مع التخويف بعاقبة ما هم عليه، من كفر وضلال، وبشر الذين آمنوا منهم بما أوحيناه إليك، بأن لهم قدم صدق؛ أي: أعمالًا صالحةً استوجبوا بها الثواب منه تعالى، ومنزلة رفيعة نالوها بصدق القول وحسن النية.
وفي "الخازن": واختلفت (٣) عبارة المفسرين وأهل اللغة في معنى ﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ فقال ابن عباس: أجرًا حسنًا بما قدموا من أعمالهم. وقال الضحاك:

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.


الصفحة التالية
Icon