فيه، فأرادوا بهذا الكلام أن القرآن كلام مزخرف، حسن الظاهر، ولكنه باطل في الحقيقة، وهذا ذم له، أو أرادوا به أنه لكمال فصاحته وتعذر مثله جار مجرى السحر وهذا مدح له وإنما لم يؤمنوا به عنادًا.
٣ - ثم إن الله سبحانه وتعالى جاء بكلام يبطل به العجب الذي حصل للكفار، من الإيحاء إلى رجل منهم فقال: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ﴾ ومالككم ومعبودكم الذي يستحق منكم العبادة هو ﴿اللَّهُ﴾؛ أي: هو المعبود بحق الذي لا يعبد معه سواه ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ وأوجد ﴿السموات والأرض﴾ واخترعهما على غير مثال سابق ﴿في﴾ مقدار ﴿سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ معلومة التي أولها الأحد، وآخرها الجمعة ﴿ثُمَّ﴾ بعد خلق السموات والأرض ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ العظيم المخلوق قبلهما استواء يليق بعظمته وجلاله، لا يكيف ولا يمثل ولا يعطل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ حالة كونه ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ أي يدبر أمر ملكوت السموات والأرض ويصرفها على الوجه الأكمل، ويقدرها ويقضيها بحسب ما اقتضته حكمته وتعلقت به إرادته.
أي: من (١) كان له هذا الاقتدار العظيم الذي تضيق العقول عن تصوره كيف يكون إرساله لرسول إلى الناس من جنسهم، محلًا للتعجب؟ مع كون الكفار يعترفون بذلك، فكيف لا يعترفون بصحة هذه الرسالة بهذا الرسول؟.
وحاصل المعنى: أي إن (٢) ربكم هو الله الذي خلق العوالم السماوية التي فوقكم، وهذه الأرض التي تعيشون على ظهرها في ستة أزمنة، قد تم في كل زمن منها، طور من أطوارها، وقدرها بمقادير أرادها، ثم استوى على عرشه الذي جعله مركز هذا التدبير لهذا الملك العظيم، استواء يليق بعظمته وجلاله، حالة كونه يدبر أمر ملكه بما اقتضاه علمه من النظام، واقتضته حكمته من الأحكام، ولا يستنكر من هو رب هذا الخلق المدبر لأمور عباده، أن يفيض ما شاء من علمه على من اصطفى من خلقه، ما يهديهم به، لما فيه كمالهم من

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon