وتعالى ذلك الرجوع وعدًا ﴿حَقًّا﴾؛ أي: ثابتًا لا خلف فيه، فهو تأكيد لتأكيد، فيكون في الكلام من الوكادة ما هو الغاية في ذلك. وقرأ (١) ابن أبي عبلة ﴿حق﴾ بالرفع على الاستئناف، فهو مبتدأ، خبره أنه يبدأ الخلق قاله أبو الفتح، وكون حق خبرًا مقدمًا، ﴿إنه﴾ مبتدأ مؤخرًا، هو الوجه في الإعراب، كما تقول صحيح أنك تخرج؛ لأن اسم إن معرفة، والذي تقدمها في نحو هذا المثال نكرة.
﴿إنه﴾ تعالى ﴿يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾؛ أي: المخلوق فالمصدر بمعنى المفعول، وينشئه من العدم المحض حين التكوين، ليأمرهم بالعبادة ثم يميتهم ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾؛ أي: ينشؤه نشأة أخرى، من العدم بالبعث بعد انحلاله وفنائه ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ باللهِ ورسوله ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات على إيمانهم وأعمالهم الصالحة ﴿بِالْقِسْطِ﴾؛ أي: بالعدل الذي لا جور فيه لا ينقص من أجورهم شيئًا. وقال البيضاوي: قوله: ﴿بِالْقِسْطِ﴾؛ أي: بعدله، أو بعدالتهم وقيامهم على العدل في أمورهم، أو بإيمانهم؛ لأنه العدل القويم، كما أن الشرك ظلم عظيم، وهو الأوجه لمقابلة قوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ إلخ. والجزاء (٢) بالعدل لا يمنع أن يزيدهم ربهم شيئًا من فضله، ويضاعف لهم كما وعد على ذلك في آيات أخرى، منها قوله: ﴿لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ وقوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ وفي هذه الجملة (٣) إيماء إلى أن المقصود بالذات من الإبداء والإعادة، هو الإثابة وإيصال الرحمة، وأما عقاب الكفرة، فكأنه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وسوء أفعالهم؛ أي: إنه تعالى يعيدهم لأجل جزائهم بالعدل، فيعطي كل عامل حقه من الثواب الذي جعله لعمله، وهذا المعنى، قد جاء في آيات كثيرة كقوله: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ وقوله: ﴿قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.
والعدل في الأمور كلها مما يتطلبه الإيمان كما قال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) المراح.


الصفحة التالية
Icon