الكافرين لهم من الجزاء شراب من حميم يقطع أمعاءهم، وعذاب شديد الألم بسبب ما كانوا يعملون من أعمال الكفر، المستمرة إلى الموت، كدعاء غير الله تعالى من الأوثان، والأصنام، وسائر المعاصي التي يزينها لهم الشيطان، ويصدهم بها عن الإيمان.
وتعليل الرجوع إليه تعالى بأنه لجزاء المؤمنين الصالحين، بيان منه، بأنه المقصود بالذات، إذ هو الذي يكون به منتهى كمال الارتقاء البشري، للذين زكوا أنفسهم، وطهروا قلوبهم وأخبتوا إلى ربهم، فيلقى من عمل الصالحات من النعيم المادي، ما هو خال من الشوائب التي تخالطه في نعيم الدنيا، ومن النعيم الروحي، وهو رضوان الله الأكبر مما لا يعلم كنهه في هذه الحياة أحدٌ، كما قال: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ وجاء في الحديث القدسي "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" رواه البخاري.
وأما جزاء الكافرين الظالمين لأنفسهم، وللناس على تدسيتهم لأنفسهم، بالكفر والخطايا، فليس من المقاصد التي اقتضتها الحكمة الإلهية في خلق الإنسان، ولكنها مقتضى العدل، ومقتضى مشيئته تعالى في ارتباط الأسباب بالمسببات، والعلل بالمعلولات.
٥ - ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً﴾؛ أي: ذات ضياء أو مضيئة ﴿و﴾ جعل ﴿القمر نورًا﴾ أي: ذا نور أو منيرًا؛ إن ربكم الذي خلق السموات والأرض هو الذي جعل الشمس مضيئة نهارًا، والقمر منيرًا ليلًا، ودبر أمور معاشكم هذا التدبير البديع، فأجدر به وأولى أن يدبر أمور معادكم، بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، والضوء والنور، بمعنى واحد، لغة، والضوء أقوى من النور، استعمالًا بدليل هذه الآية. وقيل: الضوء: لما كان من ذاته، كالشمس والنار، والنور: لما كان مكتسبًا من غيره ويدل على ذلك قوله: ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾. والسراج: نوره من ذاته، والضياء والضوء: ما أضاء لك.