الختم على الحمد؛ لأن الاشتغال بشكر النعمة متأخر عن رؤية تلك النعمة. والمعنى: أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله، ووجدوا فيها النعم العظيمة، وعرفوا أنه تعالى كان صادقًا في وعده إياهم بتلك النعم، مجدوه تعالى، ونعتوه بنعوت الجلال، فقالوا سبحانك اللهم؛ أي: نسبحك عن الخلف في الوعد، والكذب في القول، وعما لا يليق بحضرتك العلية، ولما حياهم الله والملائكة بالسلامة عن الآفات، وبالفوز بأنواع الكرامات.. أثنوا عليه تعالى بصفات الإكرام. وهذه (١) التحية تكون منه عَزَّ وَجَلَّ حين لقائه، كما قال الذي سورة الأحزاب: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾ ومن الملائكة لهم عند دخول الجنة كما قال: ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ وتكون منهم بعضهم لبعض كما قال: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا﴾.
وإن آخر كل حال من أحوالهم من دعاء يناجون به ربهم، ومطلب يطلبونه من إحسانه وكرمه ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ كما أنه أول ثناء عليه، حين دخولها كما قال: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ كما أنه آخر كلام الملائكة كما قال: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
فعلى كل مؤمن أن يستعد لها بتزكية نفسه، وترقية روحه، ويعلم أنه لن يكون أهلًا لها إلا بالعمل، ومجاهدة النفس والهوى، كما قال تعالى: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٢٣) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (١٢٤)﴾.
وقال أهل (٢) التفسير: كلمة ﴿سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ علامة بين أهل الجنة والخدم

(١) المراغي.
(٢) الخازن.


الصفحة التالية
Icon