في الطعام، فإذا أرادوا الطعام قالوا: سبحانك اللهم، فيأتونهم في الوقت، بما يشتهون على الموائد، كل مائدة: ميل في ميل على كل مائدة: سبعون ألف صحيفة، في كل صحيفة: لون من الطعام، لا يشبه بعضها بعضًا، فإذا فرغوا من الطعام، حمدوا الله عَزَّ وَجَلَّ على ما أعطاهم، فذلك قوله تعالى: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
وقيل: إن المراد بقوله: ﴿سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ اشتغال أهل الجنة بالتسبيح والتحميد، والتقديس لله عَزَّ وَجَلَّ، والثناء عليه بما هو أهله، وفي هذا الذكر والتحميد سرورهم، وابتهاجهم، وكمال لذتهم، ويدل عليه ما روي عن جابر قال: سمعت رسول الله، - ﷺ -، يقول: "أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يشغلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون"، قالوا: فما بال الطعام؟ قال: "جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد، كما يلهمون النفس" وفي رواية "التسبيح والحمد" أخرجه مسلم. قوله: جشاء؛ أي: يخرج ذلك الطعام جشاء وعرقًا.
وقال الزجاج: أعلم الله أن أهل الجنة يبتدئون بتعظيم الله وتنزيهه، ويختمون بشكره والثناء عليه، انتهى. وقرأ (١) عكرمة، ومجاهد وقتادة وابن يعمر وبلال بن أبي بردة وأبو مجلز وأبو حيوة وابن محيصن، ويعقوب: ﴿إن الحمد لله﴾ بالتشديد ونصب الحمد. قال ابن جني: ودلت قراءة الجمهور بالتخفيف ورفع الحمد على أن ﴿أن﴾ هي المخففة كقول الأعشى:

فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوْفِ الْهِنْدِ قَدْ عَلِمُوْا إِن هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحَفَى وَينْتَعِلُ
يريد إنه هالك، فإذا خففت لم تعمل في غير ضمير شأن محذوف.
ونزل لما استعجل المشركون رسول الله، - ﷺ -، بالعذاب الذي أنذرهم نزوله بهم، كما حكى الله عنهم في نحو قوله: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ﴾ وقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ
(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon