﴿فنذر الذين لا يرجون لقائنا﴾ معطوف (١) على فعل محذوف، دلت عليه الشرطية تقديره: ولكن لا نعجل ولا نقضي، فنذرهم ونتركهم إمهالًا لهم واستدراجًا بهم؛ أي: فنترك الذين لا يخافون عقابنا، ولا يؤمنون بالبعث بعد الموت، ﴿فِي طُغْيَانِهِمْ﴾ وتمردهم وعتوهم وضلالتهم حالة كونهم ﴿يَعْمَهُونَ﴾ ويترددون ويتحيرون فيها. روى الشيخان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ - "اللهم إني اتخذت عندك عهدًا، لن تخلفنيه فإنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته، فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة، واجعل ذلك كفارة له يوم القيامة".
وحاصل المعنى (٢): أي فنترك الذين لا يرجون لقاءنا ممن تقدم ذكره، فيما هم فيه من طغيان في الكفر والتكذيب، يترددون فيه متحيرين لا يهتدون سبيلًا للخروج منه، ولا نعجل لهم العذاب في الدنيا بالاستئصال، حتى يأتي أمر الله في جماعتهم بنصر رسوله، - ﷺ -، عليهم وفي أفرادهم بقتل بعضهم، وموت بعض، ومأواهم النار وبئس القرار، إلا من تاب وآمن منهم.
وقد يكون المراد ولو يعجل الله للناس الشر الذي يستعجلونه، بما يقترفونه من ظلم وفساد في الأرض، لأهلكهم كما جاء في قوله: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾. ومن هذا دعاؤهم على أنفسهم حين اليأس، ودعاء بعضهم على بعض حين الغضب، كما قال: ﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾؛ أي: وما دعاء الكافرين بربهم أو بنعمه فيما يخالف شرعه بسننه في خلقه، إلا في ضياع، لا يستجيبه الله لهم، لحلمه عليهم ورحمته بهم.
١٢ - ثم بين الله سبحانه وتعالى أنهم كاذبون في استعجال الشر، ولو أصابهم ما طلبوه.. لأظهروا العجز والجزع فقال: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ﴾؛ أي: إذا أصاب جنس الإنسان، مسلمًا كان أو كافرًا. وقيل: المراد به، الكافر ﴿الضُّرُّ﴾؛ أي:

(١) البيضاوي.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon