الشدة والجهد والمشقة والفقر والمرض، وهو كل ما يشعر فيه شدة ألم، أو فيه خطر على نفسه كغرق ومسغبة وداء عضال ﴿دَعَانَا﴾ في كشفه وإزالته، ملحًا في الدعاء حالة كونه مضطجعًا ﴿لِجَنْبِهِ﴾؛ أي: على جنبه وشقه ﴿أَوْ﴾ حالة كونه ﴿قَاعِدًا﴾ على إسته ﴿أَوْ﴾ حالة كونه ﴿قَائِمًا﴾ على قدميه حائرًا في أمره، ولا ينسى حاجته إلى رحمة ربه ما دام يشعر بمس الضر ويعلم من نفسه العجز عن النجاة منه. والمعنى: إن المضرور لا يزال داعيًا في جميع حالاته إلى أن ينكشف ضره، سواء كان مضطجعًا أو قاعدًا، أو قائمًا، وإنما خص هذه الحالات الثلاث؛ لأن الإنسان لا ينفك عن إحدى هذه الحالات غالبًا، وما عداها نادر، كالركوع والسجود، وقدم منها، ما يكون الإنسان فيه أشد عجزًا، وشعوره بالحاجة إلى ربه أقوى، ثم التي تليها ثم التي تليها.
﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا﴾ وأزلنا ﴿عَنْهُ ضُرَّهُ﴾ وجهده الذي دعانا إليه، حال شعوره بعجزه، عن كشفه بنفسه، أو بغيره من الأسباب ﴿مَرَّ﴾ ومضى واستمر في طريقته التي كان عليها قبل مس الضر، من الغفلة عن ربه، والكفر به ﴿كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾؛ أي: وكان كأنه لم يدعنا إلى كشف ضر، وجهد مسّه، وأصابه ولم نكشف عنه ضرًّا. والمعنى: أنه استمر على حالته الأولى، قبل أن يمسه الضر، ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء والضيق والفقر، وهذه (١) الحالة التي ذكرها الله سبحانه للداعي لا تختص بأهل الكفر، بل تتفق لكثير من المسلمين، تلين ألسنتهم بالدعاء، وقلوبهم بالخشوع والتذلل، عند نزول ما يكرهون بهم، فإذا كشفه الله عنهم غفلوا عن الدعاء، والتضرع، وذهلوا عما يجب عليهم من شكر النعمة التي أنعم الله بها عليهم، من إجابة دعائهم، ورفع ما نزل بهم من الضر، ودفع ما أصابهم من المكروه، وهذا مما يدل على أن الآية تعم المسلم والكافر كما يشعر به لفظ الناس ولفظ الإنسان، اللهم أوزعنا شكر نعمتك، وأذْكرنا الأحوال التي مننت علينا فيها بإجابة الدعاء، حتى نستكثر من الشكر